مَنْ لَمْ يَبِتْ وَالْحُبُّ حَشْوُ فُؤَادِهِ لَمْ يَدْرِ كَيْفَ تُفَتَّتُ الْأَكْبَادُ
قَالَ: وَدَفَعَ إِلَى السَّرِيِّ رُقْعَةً مَرَّةً، وَقَالَ: احْفَظْ هَذِهِ الرُّقْعَةَ، فَإِذَا فِيهَا:وَلَمَّا شَكَوْتُ الْحُبَّ قَالَتْ كَذَبْتَنِي فَمَا لِي أَرَى الْأَعْضَاءَ مِنْكَ كَوَاسِيَا؟!
فَمَا الْحُبُّ حَتَّى يُلْصَقَ الْجَنْبُ بِالْحَشَا وَتَذْبُلَ حَتَّى لَا تُجِيبَ الْمُنَادِيَا
وَتَنْحَلَ حَتَّى لَا يَبْقَى لَكَ فِي الْهَوَى سِوَى مُقْلَةٍ تَبْكِي بِهَا وَتُنَادِيَا
فَلَوْ قَطَّعْتَنِي فِي الْحُبِّ إِرْبًا لَمَا حَنَّ الْفُؤَادُ إِلَى سِوَاكَ
وَمِنْهَا مُوَافَقَةُ الْحَبِيبِ فِيمَا أَحَبَّ حُبًّا لَهُ، كَمَا قَالَ nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرُ nindex.php?page=showalam&ids=52لِصُهَيْبٍ: رَحِمَ اللَّهُ nindex.php?page=showalam&ids=52صُهَيْبًا، لَوْ لَمْ يَخَفِ اللَّهَ لَمْ يَعْصِهِ، أَيْ إِنْ مَحَبَّتَهُ لَهُ تَمْنَعُ مُخَالَفَتَهُ مِنْ غَيْرِ خِيفَةٍ فَهُوَ يُطِيعُهُ حُبًّا لَهُ، وَكَانَ صُهَيْبٌ يَقُولُ إِنَّهُ لَا يَسْتَخْرِجُهُ غَيْرُهُ يَعْنِي مِنْ مَعَانِي الصِّفَاتِ وَالْأَفْعَالِ الْمَرْجُوَّةِ، وَمِنْهَا وُجُودُ الرُّوحِ بِالشَّكْوَى إِلَيْهِ وَالِاسْتِرَاحَةِ إِلَى عِلْمِهِ بِهِ وَحْدَهُ وَإِخْلَاصِ الْمُعَامَلَةِ لِوَجْهِهِ وَحُسْنِ الْأَدَبِ فِيهَا، وَهُوَ الْإِخْفَاءُ لَهَا وَكَتْمُ مَا يَحْكُمُ بِهِ مِنَ الضِّيقِ وَالشَّدَائِدِ وَإِظْهَارُ مَا يُنْعِمُ بِهِ مِنَ الْأَلْطَافِ وَالْفَوَائِدِ وَكَثْرَةُ الشُّكْرِ فِي نَعْمَائِهِ وَخَفِيُّ أَلْطَافِهِ وَغَرَائِبُ صَنْعَتِهِ وَعَجَائِبُ قُدْرَتِهِ وَحُسْنُ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ فِي كُلِّ حَالٍ، وَنَشْرُ الْآلَاءِ مِنْهُ وَالْأَفْضَالِ وَالصَّبْرُ عَلَى بَلَائِهِ قَدْ صَارَ فِي أَهْلِهِ وَأَوْلِيَائِهِ، وَقَدْ يَعْسِفُ بِأَوْلِيَائِهِ وَيُعَنِّفُ بِأَحِبَّائِهِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْهُمْ وَمَكَانَتِهِمْ عِنْدَهُ وَلِعِلْمِهِ أَنَّهُمْ لَا يُرِيدُونَ بَدَلًا وَلَا يَبْغُونَ عَنْهُ حِوَلًا؛ إِذْ لَيْسَ لَهُمْ بُغْيَةٌ فِي سِوَاهُ وَلَا لَهُمْ هِمَّةٌ إِلَّا إِيَّاهُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي هَذَا الْمَقَامِ:يَا بَلَائِي وَيَا بَلَاءَ الْبَلَاءِ أَنْتَ دَائِي فَكَيْفَ أَكْرَهُ دَائِي
لَا تَطْلُبَنَّ شِفَاءً عِنْدَ غَيْرِهِمُ وَلَا يُجِيبُكَ إِلَّا مَنْ تَوَفَّاكَ
إِنْ شِئْتَ جُودِي وَأَمَّا شِئْتَ فَامْتَنِعِ كِلَاهُمَا مِنْكَ مَنْسُوبٌ إِلَى الْكَرَمِ
فَأَنْتَ عِنْدِي وَإِنْ أَوْرَثْتَنِي سَقَمًا أَحَبُّ مِنْ غَيْرِكَ يَشْفِي مِنَ السَّقَمِ
من لم يبت والحب حشو فؤاده لم يدر كيف تفتت الأكباد
قال: ودفع إلى السري رقعة مرة، وقال: احفظ هذه الرقعة، فإذا فيها:ولما شكوت الحب قالت كذبتني فما لي أرى الأعضاء منك كواسيا؟!
فما الحب حتى يلصق الجنب بالحشا وتذبل حتى لا تجيب المناديا
وتنحل حتى لا يبقى لك في الهوى سوى مقلة تبكي بها وتناديا
فلو قطعتني في الحب إربا لما حن الفؤاد إلى سواك
ومنها موافقة الحبيب فيما أحب حبا له، كما قال nindex.php?page=showalam&ids=2عمر nindex.php?page=showalam&ids=52لصهيب: رحم الله nindex.php?page=showalam&ids=52صهيبا، لو لم يخف الله لم يعصه، أي إن محبته له تمنع مخالفته من غير خيفة فهو يطيعه حبا له، وكان صهيب يقول إنه لا يستخرجه غيره يعني من معاني الصفات والأفعال المرجوة، ومنها وجود الروح بالشكوى إليه والاستراحة إلى علمه به وحده وإخلاص المعاملة لوجهه وحسن الأدب فيها، وهو الإخفاء لها وكتم ما يحكم به من الضيق والشدائد وإظهار ما ينعم به من الألطاف والفوائد وكثرة الشكر في نعمائه وخفي ألطافه وغرائب صنعته وعجائب قدرته وحسن الثناء عليه في كل حال، ونشر الآلاء منه والأفضال والصبر على بلائه قد صار في أهله وأوليائه، وقد يعسف بأوليائه ويعنف بأحبائه لتمكنه منهم ومكانتهم عنده ولعلمه أنهم لا يريدون بدلا ولا يبغون عنه حولا؛ إذ ليس لهم بغية في سواه ولا لهم همة إلا إياه، وقال بعضهم في هذا المقام:يا بلائي ويا بلاء البلاء أنت دائي فكيف أكره دائي
لا تطلبن شفاء عند غيرهم ولا يجيبك إلا من توفاك
إن شئت جودي وأما شئت فامتنع كلاهما منك منسوب إلى الكرم
فأنت عندي وإن أورثتني سقما أحب من غيرك يشفي من السقم