وأيضا فإن الله بعبادات عباده المؤمنين ودعائهم يجلب للناس [ ص: 62 ] المنافع ويدفع عنهم المضار، كما في السنن أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "وهل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم، بدعائهم وصلاتهم وإخلاصهم". كانتفاع الحي والميت بدعاء المؤمنين واستغفارهم، ونزول الغيث بدعاء المؤمنين واستغفارهم، والنصر على الأعداء بدعاء المؤمنين واستغفارهم، وأمثال ذلك مما اتفق عليه المؤمنون. وانتفاع الخلق بدعاء المؤمنين وصلاتهم
فهذان الأصلان هما أصلان ثابتان بالكتاب والسنة والإجماع. بل هم يزدادون وينقصون بحسب زيادة أهل الإيمان والتقوى ونقصانهم. فبعث الله وليس لأولياء الله عدد محصور تتساوى فيه الأزمنة، ولا لهم مكان معين من الأمكنة، محمدا - صلى الله عليه وسلم - إلى الناس، وكان الأمر كما أخبر في الحديث الصحيح : "إن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم، عربهم وعجمهم، إلا بقايا من أهل الكتاب".
وقد ثبت في الصحيح أن إبراهيم الخليل قال لسارة: وقد أخبر الله عن "إنه ليس على وجه الأرض مؤمن غيري وغيرك". نوح [ ص: 63 ] أنه وما آمن معه إلا قليل ، وأن الله أغرق أهل الأرض إلا من كان معه في السفينة.
وقد كانت الشام قبل أن يخرج إليها موسى وبنو إسرائيل يغلب على أهلها الكفر، فأورثها الله لبني إسرائيل، فصار فيها من الأنبياء والصالحين ما لم يكن فيها نظيره قبل ذلك.