الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ومنهم من ذم الاستحسان تارة، وقال به تارة، كالشافعي وأحمد بن حنبل ومالك وغيرهم، ففي كتب مالك وأصحابه ذكر لفظ الاستحسان في مواضع . والشافعي قال: من استحسن فقد [ ص: 166 ] شرع، وتكلم في إبطال الاستحسان، وبسط القول في ذلك . وكان من أعظم الأئمة إنكارا له، وهو الذي عليه أصحابه في أصول الفقه. ومع هذا فقد قال بلفظ الاستحسان، كما قال: أستحسن أن تكون المتعة ثلاثين درهما" .

ولهذا حكي للشافعي في الاستحسان قولان: قديم وجديد.

وكذلك أحمد بن حنبل، نقل عنه أبو طالب أنه قال: أصحاب أبي حنيفة إذا قالوا شيئا خلاف القياس قالوا: نستحسن هذا [ ص: 167 ] وندع القياس. فيدعون الذي يزعمون أنه الحق بالاستحسان. قال: وأنا أذهب إلى كل حديث جاء، ولا أقيس عليه .

قال القاضي أبو يعلى : وظاهر هذا يقتضي إبطال القول بالاستحسان، وأنه لا يقاس المنصوص عليه على المنصوص عليه.

قلت: مراد أحمد أني أستعمل النصوص كلها، ولا أقيس على أحد النصين قياسا يعارض النص الآخر، كما يفعل من ذكره، حيث يقيسون على أحد النصين، ثم يستثنون موضع الاستحسان إما لنص أو غيره، والقياس عندهم يوجب العلة الصحيحة، فينقضون العلة التي يدعون صحتها مع تساويها في محالها.

وهذا من أحمد يبين أنه يوجب طرد العلة الصحيحة، وأن انتقاضها مع تساويها في محالها يوجب فسادها. ولهذا قال: لا أقيس على أحد النصين قياسا ينقضه النص الآخر، فإن ذلك يدل على فساد القياس.

وهو يستعمل مثل هذا في مواضع، مثل حديث أم سلمة وفيه [ ص: 168 ] قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا أراد أحدكم أن يضحي ودخل العشر فلا يأخذ من شعره ولا من بشرته شيئا"، مع حديث عائشة: كنت أفتل قلائد هدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم يبعث به وهو مقيم، فلا يحرم عليه شيء مما يحرم على المحرم .

والناس في هذا على ثلاثة أقوال:

منهم من يسوي بين الهدي والأضحية في المنع، ويقول: إذا أرسل المحرم هديا لم يحل حتى ينحر، كما يروى عن ابن عباس وغيره.

ومنهم من يسوي بينهما في الإذن، ويقول: بل المضحي لا يمنع عن شيء كما لا يمنع المهدي، فيقيسون على أحد النصين ما يعارض الآخر.

التالي السابق


الخدمات العلمية