الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وأما ما ذكره القاضي من قبول شهادة أهل الذمة في الوصية في السفر، فلا ريب أن الفرق هنا ظاهر، وهذا من الاستحسان [ ص: 226 ] وتخصيص العلة التي ظهر فيها الفرق، والمنع من شهادتهم على المسلمين ثبت بالنص، والإذن فيها هنا ثبت بالنص أيضا للحاجة. وهل يعدى هذا إلى جميع مواضع الحاجة؟ فيه عن أحمد روايتان، بناء على أن العلة معلومة، وهي موجودة في غير هذا الموضع. هذا وجه القول بالجواز.

وأما وجه المنع فإما أن نقول: لم نعلم العلة وإنها مشتركة، أو علمنا اختصاصها بهذه الصورة للضرورة العامة فيها. هذا إذا ثبت عموم المنع في غير هذه الصورة، إما لفظا وإما معنى. وألفاظ القرآن لا عموم فيها بالمنع، وكذلك السنة ليس فيها لفظ عام بالمنع. لم يبق إلا القياس، وتلك المواضع أمر فيها بإشهاد المسلمين، ومعلوم أن ذلك إنما هو عند القدرة على إشهادهما، وهذا واجب في الوصية في السفر.

وأما إذا تعذر إشهادهما على الذين في السفر أو على الرجعة فليس في القرآن ما يدل على المنع من ذلك. وإذا لم يكن في الكتاب والسنة منع من إشهاد أهل الذمة عند تعذر إشهاد المسلمين، لم يكن هنا قياس يخالف هذه الآية، وقد عمل بها [ ص: 227 ] الصحابة وجمهور التابعين.

والذين لم يعملوا بها ليس معهم في خلافها لا نص ولا إجماع ولا قياس، وقد تأولوها ناجزين من غير أصل يسلم، وقال بعضهم: هي منسوخة، وقال بعضهم: الشهادة اليمين. والأقوال الثلاثة باطلة من وجوه كثيرة.

التالي السابق


الخدمات العلمية