الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
واختلفت أقوالهم في الغصب والإتلاف، فتارة يقولون:

يضمن بالقيمة، وتارة يقولون: يضمن ما سوى الحيوان بالقيمة، وتارة يقولون: بل الجميع يضمن بالمثل بحسب الإمكان. وهذه الأقوال الثلاثة في مذهب أحمد. وقد اختلف في ذلك قول مالك والشافعي أيضا، فقال الشافعي في الجدار المهدوم ظلما: يعاد مثله، وقال في مواضع: يضمن بالقيمة.

ولم يكن مع من يوجب القيمة في الإتلاف من النصوص إلا قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : "من أعتق شركا له في عبد، وكان له من المال ما بلغ ثمن العبد، فقوم عليه قيمة عدل، لا وكس ولا شطط، وأعطي شركاؤه حصصهم، وعتق عليه العبد".

قالوا: فالنبي - صلى الله عليه وسلم - أوجب في نصيب الشريك القيمة، ولم يوجب نصف عبد، ولو كان العبد يضمن بالمثل لأوجب نصف عبد. [ ص: 264 ]

وهذا غلط على الشارع، فإن هذا ليس من باب ضمان المتلف، بل هو من باب تملك ملك الغير بالقيمة، فإن نصيب الشريك يملكه المعتق ثم يعتق عليه بعد ذلك، لا يتلفه قبل أن يملكه، بخلاف ما لو قتله، فإن ذلك إتلاف. والعلماء القائلون بالسراية متفقون على أنه يعتق على ملك الغير والولاء دون الشريك. وتنازعوا هل يسري عقب الإعتاق، أو لا يعتق حتى يؤدي الثمن؟ على قولين مشهورين لهم: الأول هو المشهور في مذهب الشافعي وأحمد، والثاني قول مالك، وهو قول في مذهب الشافعي وأحمد، وهو الصحيح في الدليل، كما قد بسط في موضعه .

وعلى هذا فإذا أدى هل يعتق من حين الأداء، أو يتبين أنه عتق من حين الإعتاق؟ على قولين.

وعلى هذا ينبني لو أعتق الشريك نصيبه بعد عتق الأول، فعلى القول الذي ذكرنا أنه الصحيح يجوز عتقه، وعلى الآخر لا يجوز.

وعلى هذا ينبني إذا قال أحدهما: إذا أعتقت نصيبك فنصيبي حر، فعلى القول الذي بينا رجحانه يصح هذا التعليق، ويعتق [ ص: 265 ] نصيب الشريك المعلق من ماله، وعلى القول الآخر لا يصح التعليق، ويعتق كله من نصيب المعتق إن كان موسرا، وإن كان المعتق معسرا صح وعتق عليهما على القولين.

وأيضا فإنه يفرق بين أن يكون المتلف عينا كاملة أو بعض عين، فإذا كان المتلف بعض عين فإنه إن وجب نظر ذلك الجزء، لكن بحسب القيمة إذا طلبها الشريك، فإن كان المشترك مما ينقسم عنه، وإلا بيع إذا طلب أحدهما ذلك، وقسم الثمن، فلو أتلف أحد الشريكين عينا مشتركة تمكن قسمتها، فالواجب جز مقسوم لا مشاع إذا طلب أحدهما ذلك، وإن تراضيا بالشركة وجب جزء مشترك، وإن كان مما لا تمكن قسمته فإنما يجب نصف عين إذا تراضيا بذلك، وإلا وجب نصف القيمة لأجل وجوب القيمة.

والمقصود هنا أن الذين يوجبون في ضمان المتلف القيمة ليس معهم أصل يقيمون عليه قولهم، لا كتاب ولا سنة، وإنما هو رأي محض، ظنوا أن المثل إنما يكون في القيمة. ثم من طرد منهم قياسه ظهر تناقضه للكتاب والسنة، ومن لم يطرده ظهر مناقضته [ ص: 266 ] ومخالفته لبعض النصوص أيضا.

وهذا الأصل هو الحكومة المذكورة في كتاب الله، التي حكم فيها داود وسليمان إذ حكما في الحرث الذي نفشت فيه غنم القوم، والحرث هو البستان، وقد روي أنه كان بستان عنب الذي يسمى الكرم، ونفش الغنم إنما يكون بالليل، فقضى سليمان بالضمان على أصحاب الغنم، وأن يضمنوا ذلك بالمثل، بأن يعمروا البستان حتى يعود كما كان.

التالي السابق


الخدمات العلمية