ولهذا كان المتكلمون في علوم الحقائق على ثلاثة درجات: إحداها: أهل الحقيقة الدينية الشرعية، الذين يتكلمون في حقائق الإيمان، كالحب لله، والتوكل عليه، وإخلاص الدين له، والخوف منه، والرجاء له، والصبر لحكمه، والشكر لنعمه، ونحو ذلك من حقائق الدين بما يوافق الكتاب والسنة. فهذا أهل طريق أولياء الله المتقين وحزبه المصلحين وعباده الصالحين.
والثانية: من خاض في حقائق الدين بمجرد ذوقه ووجده ورأيه، سواء وافقت الكتاب والسنة أو خالفت. فهذا يصيبون تارة ويخطئون تارة، ويكونون من أهل السنة تارة ومن أهل البدعة أخرى.
الثالثة: من وقف عند الحقيقة الكونية القدرية، ولم يميز بين أولياء الله وأعدائه، ولا بين طاعته ومعصيته، ولا بين ما يحبه [ ص: 87 ] ويرضاه وبين سائر ما قدره وقضاه. فهؤلاء أهل ضلال وتعطيل، قد حققوا التوحيد الذي أقر به المشركون، ولم يدخلوا في توحيد الله ودينه الذي كان عليه الأنبياء والمرسلون. فإن انتقلوا من ذلك إلى فقد صاروا من أعظم أهل الكفر والإلحاد. وهؤلاء فيهم من الإشراك بالله والمخالفة لدينه ما لا يعلمه إلا الله، كما قد بسطنا الكلام على هذه الأمور في غير هذا الموضع . الحلول ووحدة الوجود والإلحاد
والمقصود هنا الكلام على اسم "القطب" ومسماه، وما علمت أن السلف تكلموا بهذا الاسم في الرجال، ولا جعلوا اسم القطب مما يعثر به عن أحوال أولياء الله المتقين. بخلاف اسم "الأبدال"، فإنه نقل عنهم التكلم بذلك في مواضع.
وقد تكلم بعض المتأخرين بلفظ "الوتد"، والوتد: المثبت لغيره، كما أن الجبال أوتاد الأرض، فمن ثبت الله به الإيمان والتقوى في قلوب بعض عباده، أو ثبت بدعائه وعبادته نصرهم ورزقهم، كان له من هذا المعنى نصيب بحسب ذلك.