ولهذا كما ذكر ذلك فسر غير واحد الاستحسان بتخصيص العلة، أبو الحسين البصري والرازي وغيرهما، وكذلك هو، فإن غاية الاستحسان- الذي يقال فيه: إنه يخالف القياس حقيقة- تخصيص العلة. والمشهور عن أصحاب الشافعي وعن أصحاب منع تخصيص العلة، القول بتخصيصها، كالمشهور [ ص: 179 ] عنهما في منع الاستحسان وإجازته. ولكن في مذهب أبي حنيفة خلاف في جواز تخصيص العلة، كما في مذهب الشافعي مالك . [ ص: 180 ] وأحمد
ومن الناس من حكى قول الأئمة الأربعة جواز تخصيص العلة. وقد ذكر أبو إسحاق بن شاقلا عن أصحاب في تخصيص العلة وجهين. ومن الناس من يحكي ذلك روايتين عن أحمد والقاضي أبو يعلى وأكثر أتباعه كابن عقيل يمنعون تخصيص العلة مع قولهم بالاستحسان. وكذلك أصحاب مالك . أحمد.
وأما فيختار أبو الخطاب موافقة لأصحاب تخصيص العلة فإن هذا هو الاستحسان كما تقدم. وهؤلاء يجوزون تخصيصها بمجرد دليل يدل على التخصيص، وإن لم يبين اختصاص صورة النقض فقدان شرط أو وجود مانع. وهذا حقيقة ما ذكره أبي حنيفة، القاضي وهؤلاء في الاستحسان، كما ذكره في الأمثلة.
ولكن القاضي وغيره ممن يقول بالاستحسان ومنع تخصيص العلة فرقوا بينهما فقالوا- واللفظ للقاضي -: لا يجوز تخصيص [ ص: 181 ] العلة الشرعية، وتخصيصها نقضها.
قال: وقد قال في رواية أحمد الحسين بن حسان : فأما إذا أشبهه في حال وخالفه في حال فهذا خطأ . القياس أن يقاس الشيء على الشيء إذا كان مثله في كل أحواله،
قال: وهذا الكلام يمنع من تخصيصها.
قال: وقد ذكر أبو إسحاق- يعني ابن شاقلا- في "شرح الخرقي" فقال: أصحابنا على وجهين: منهم من يرى تخصيص العلة، ومنهم من لا يرى ذاك.
وقال: وقد ذكرها أبو الحسن الخرزي في "جزء فيه مسائل من الأصول ": لا يجوز تخصيصها. [ ص: 182 ]
قال: وقول "القياس كان يقتضي أن لا يجوز شرى أرض السواد، لأنه لا يجوز بيعها" ليس بموجب لتخصيص العلة، فإنها في حكم خاص، وما ذكر أحمد إنما هو اعتراض النص على قياس الأصول في الحكم العام، وقد أحمد يترك قياس الأصول للخبر .
ولذلك أجاب من احتج على جواز تخصيصها بالاستحسان فقال : فإن قيل: أليس قد قال في رواية أحمد وقد قيل: كيف تشترى ممن لا يملك؟! فقال: القياس كما تقول، وإنما هو استحسان. واحتج بقول الصحابة في المصاحف. المروذي
ثم قال في الجواب: قيل: تخصيص العلة ما يمنع من جريها في حكم خاص. وما ذكره إنما هو اعتراض النص على قياس الأصول. ولأنهم قد يعدلون في الاستحسان عن قياس وعن غير قياس، فامتنع أن يكون معناه تخصيص بدليل. وقد ناقضه أحمد . أبو الخطاب
وهذا الذي ذكره القاضي قد ذكره كثير من العلماء فيما فقالوا: يقدم النص. واختلفوا فيما إذا عارض النص قياس الأصول، كخبر المصراة ونحوه . وأما الأول فمثل حمل العاقلة، فإنهم يقولون: هو خلاف قياس [ ص: 184 ] الأصول، وهو ثابت بالنص والإجماع. وهذا يذكره بعض الناس قولا ثالثا في تخصيص العلة. إذا [ ص: 183 ] عارض خبر الواحد قياس الأصول،
ويذكرون قولا رابعا، وهو أنه يجوز تخصيص المنصوصة دون المستنبطة . وأكثر الناس في التخصيص من أصحاب الشافعي وأحمد كأبي حامد وأبي الطيب والقاضي أبي يعلى [ ص: 185 ] وغيرهم يقولون: إذا خصت المنصوصة تبينا أنها نقض العلة، وإلا فلا يجوز تخصيصها بحال. وابن عقيل
وهذا النزاع إنما هو في علة قام على صحتها دليل كالتأثير والمناسبة، وأما إذا اكتفي فيها بمجرد الطرد الذي يعلم خلوه عن التأثير والسلامة عن المفسدات، فهذه تبطل بالتخصيص باتفاقهم. وأما الطرد المحض الذي يعلم خلوه عن المعاني المعتبرة فذاك لا يحتج به عند أحد من العلماء المعتبرين. وإنما النزاع في الطرد الشبهي، كالمجوزات - الشبهية التي يحتج بها كثير من الطوائف الأربعة، لاسيما قدماء أصحاب فإنها كثيرة في حججهم أكثر من غيرهم. الشافعي،