[ ص: 296 ] [فصل]
والمقصود هنا أن النصوص شاملة لجميع الأحكام، ونحن نبين ذلك فيما هو أشكل الأشياء ليستدل به على ما سواه، والفرائض من أشكلها، إذ عدلوا في كثير منها عن دلالة النص إلى أن أثبتوا ما ظنوه مجمعا عليه، ونفوا ما ظنوه غير مجمع عليه، وكلاهما غلط: نفاة القياس
أما الأول: فقد بيناه.
وأما الثاني: فتقديره عدم الإجماع إذا انتفى دليل بمعين، فلابد من نفي سائر الأدلة الشرعية، كما ذكروه في مسألة المشركة، فإنه لو قدر ثبوت ميراث أحدهما بالإجماع، فعدم الإجماع عن الآخر لا ينفي ميراثه، إذ لم تنتف سائر الأدلة. [ ص: 297 ]
فنقول: النص والقياس- وهما الكتاب والميزان- دلا على أن الثلث يختص به ولد الأم، كما هو قول رضي الله عنه ومن وافقه، وهو مذهب علي أبي حنيفة، في المشهور عنه، وروى عنه وأحمد حرب التشريك، وهو قول زيد ومن وافقه، وقول مالك والشافعي.
واختلف في ذلك عن عمر وغيرهما [من الصحابة]، حتى قيل: إنه اختلف فيها عن جميع الصحابة إلا وعثمان علي وزيد رضي الله عنهما؟ فإن رضي الله عنه لم يختلف عنه أنه لم يشرك، عليا وزيد رضي الله عنه لم يختلف [عنه] أنه شرك . [ ص: 298 ]
قال : القياس ما قال العنبري رضي الله عنه، [والاستحسان ما قال علي زيد. قال : هذه وساطة مليحة، وعبارة صحيحة . الخبري
فيقال: النص والقياس دلا على ما قال . أما النص فقول الله تعالى: علي] فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث . والمراد به: ولد الأم، فإذا أدخلنا فيهم ولد الأبوين لم يشتركوا في الثلث بل زاحمهم غيرهم.
وإن قيل: ولد الأبوين منهم لكونه من ولد الأم، فهذا غلط، لأن الله تعالى قال: وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس الآية . [ ص: 299 ]
وفي قراءة ابن مسعود : "من أم". والمراد ولد الأم بالإجماع، ودل على ذلك قوله: وسعد فلكل واحد منهما السدس ، وولد الأبوين لم يفرض لواحد منهما السدس. وأيضا فإنه قد ذكر حكم ولد الأبوين والأب في آية الصيف في قوله: يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك وهو يرثها إن لم يكن لها . فجعل لها النصف، وله جميع المال، وهذا حكم ولد الأبوين. ثم قال: وإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين . وهذا حكم ولد الأبوين لا الأم، باتفاق المسلمين.
ودل ذكره تعالى لهذا الحكم في هذه الآية، ولذلك الحكم في تلك الآية، على أن أحد الصنفين غير الآخر. فلا يجوز أن يكون [ ص: 300 ] ذلك الصنف هو هذا الصنف، وهذا الثاني هو ولد الأبوين والأب بالإجماع. فالأول ولد الأم كما في القراءة الأخرى التي تصلح أن تكون مفسرة لقراءتنا، ولهذا ذكر ولد الأم في آية الزوجين، والزوجان أصحاب فرض مقدر لا يخرجون عنه، وكذلك ولد الأم أصحاب فرض مقدر لا يخرجون عنه. وكلاهما لا حظ له في التعصيب بحال . بخلاف من ذكر في آية العمود وفي آية الصيف، فإن لجنسهم حظا في التعصيب. ولهذا قال سبحانه في آية الشتاء: غير مضار ، ولم يذكر في آية العمود، لأن الإنسان كثيرا ما يقصد ضرر الزوج وولد الأم، لأنهم ليسوا من عصبتهم، بخلاف أولاده وآبائه، فإنه لا يضارهم في العادة.
وإذا كان فمن نقصهم منه فقد ظلمهم. وولد الأبوين جنس آخر، هم عصبة، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: النص قد أعطى ولد الأم الثلث، . وهذا يقتضي أنه إذا لم تبق الفرائض لم يكن للعصبة شيء، وهنا لم تبق الفرائض شيئا. "ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقي فلأولى [ ص: 301 ] رجل ذكر"
وأما قول القائل : "هب أن أباهم كان حمارا، فقد اشتركوا في الأم "، فقول فاسد حسا وشرعا. أما الحس فلأن الأب لو كان حمارا لكانت الأم أتانا، ولم يكونوا من بني آدم.
وإذا قيل: قدر وجوده كعدمه.
فيقال: هذا باطل، فإن الموجود لا يكون معدوما.
وأما الشرع فلأن الله حكم في ولد الأبوين بخلاف حكمه في ولد الأم.
وإذا قيل: فالأب إن لم ينفعهم لم يضرهم. [ ص: 302 ]
قيل: بل قد يضرهم ولا ينفعهم، بدليل ما لو كان ولد الأم واحدا وولد الأبوين كثيرين، فإن ولد الأم وحده يأخذ السدس، والباقي يكون لهم كلهم، ولولا الأب لشاركوا هم وذلك الواحد في الثلث، وإذا جاز أن يكون وجود الأب ينفعهم جاز أن يحرمهم، فعلم أنه قد يضرهم.