وفي هذه الغزاة كان حديث الإفك
أخبرنا هبة الله بن محمد ، قال: أخبرنا الحسين بن علي ، قال: أخبرنا أحمد بن جعفر ، قال: حدثنا قال: حدثني عبد الله بن أحمد ، أبي قال: أخبرنا قال: حدثنا عبد الرزاق ، ، عن معمر ، قال: أخبرني الزهري و سعيد بن المسيب ، ، عروة بن الزبير وعلقمة بن أبي وقاص ، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، عن رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم حين قال لها أهل الإفك ما قالوا عائشة ، فبرأها الله عز وجل ، وكلهم حدثني بطائفة من حديثها ، وبعضهم كان أوعى لحديثها من بعض وأثبت اقتصاصا ، وقد وعيت عن كل واحد منهم الحديث الذي حدثني ، وبعض حديثهم يصدق بعضا ، ذكروا: حديث زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، قالت: عائشة
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج سفرا ، أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج بها رسول الله صلى الله عليه وسلم معه .
قالت : فأقرع بيننا في غزاة غزاها ، فخرج فيها سهمي ، فخرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وذلك بعد أن نزل الحجاب ، وأنا أحمل في هودجي ، وأنزل فيه مسيرنا ، حتى إذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوته وقفل ودنونا من عائشة المدينة آذن بالرحيل ، فقمت حين أذنوا بالرحيل ، فمشيت حتى جاوزت الجيش ، فلما قضيت شأني أقبلت إلى الرحل ، فلمست صدري فإذا عقد من جزع ظفار قد انقطع ، فرجعت فالتمست عقدي ، فحبسني ابتغاؤه ، وأقبل الرهط الذين كانوا يرحلون بي ، فحملوا هودجي فرحلوه على بعيري الذي كنت أركب ، وهم يحسبون أني فيه .
قالت: وكانت النساء إذ ذاك خفافا لم يهبلهن ولم يغشهن اللحم ، إنما يأكلن العلقة من الطعام ، فلم يستنكر القوم ثقل الهودج حين رحلوه ورفعوه ، وكنت جارية حديثة السن ، فبعثوا الجمل ، وساروا فوجدت عقدي بعد ما استمر الجيش ، فجئت بها منازلهم [ ص: 222 ] وليس بها داع ولا مجيب ، فتيممت منزلي الذي كنت فيه ، وظننت أن القوم سيفقدونني فيرجعون إلي .
فبينا أنا جالسة في منزلي غلبتني عيني فنمت ، وكان صفوان بن المعطل السلمي ، ثم الذكواني قد عرس من وراء الجيش ، فأدلج فأصبح عند منزلي ، فرأى سواد إنسان نائم ، فأتاني فعرفني حين رآني ، وقد كان يراني قبل أن يضرب علي الحجاب ، فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني ، فخمرت وجهي بجلبابي ، فو الله ما كلمني كلمة ، ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه حتى أناخ راحلته ، فوطئ على يدها فركبتها ، فانطلق يقود الراحلة حتى أتينا الجيش بعد ما نزلوا موغرين في نحر الظهيرة ، فهلك من هلك في شأني ، وكان الذي تولى كبره عبد الله بن أبي ابن سلول ، فقدمت المدينة ، فاشتكيت حين قدمنا شهرا ، والناس يفيضون في قول الإفك ، ولا أشعر بشيء من ذلك ، وهو يريبني في وجعي أني لا أرى من رسول الله صلى الله عليه وسلم اللطف الذي كنت أعرف منه حين أشتكي ، إنما يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيسلم فيقول: كيف تيكم؟ فذاك يريبني ولا أشعر بالشر حتى خرجت بعد ما نقهت ، وخرجت معي أم مسطح قبل المناصع ، وهو مبرزنا ، ولا نخرج إلا ليلا إلى ليل ، وذلك قبل أن تتخذ الكنف قريبا من بيوتنا ، وأمرنا أمر العرب الأول في التنزه ، وكنا نتأذى بالكنف أن نتخذها عند بيوتنا ، فانطلقت أنا وأم مسطح ، وهي بنت أبي رهم بن المطلب بن عبد مناف ، وأمها بنت صخر بن عامر خالة أبي بكر الصديق ، وابنها مسطح بن أثاثة ، فأقبلت أنا وبنت أبي رهم قبل بيتي حين فرغنا من شأننا ، فعثرت أم مسطح في مرطها ، فقالت: تعس مسطح ، فقلت لها: بئسما قلت! تسبين رجلا قد شهد بدرا؟! قالت: أي هنتاه أو لم تسمعي ما قال؟! قلت: وماذا قال؟ قالت: فأخبرتني بقول أهل الإفك ، فازددت مرضا على مرضي ، فلما رجعت إلى بيتي دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم قال: "كيف تيكم" ؟ قلت: أتأذن لي أن آتي أبوي؟ قالت: وأنا حينئذ أريد أن أتيقن الخبر من قبلها ، فأذن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فجئت أبوي فقلت لأمي: يا أماه ما يتحدث الناس؟ فقالت: أي بنية ، هوني عليك ، فو الله لقل ما كانت امرأة قط وضيئة عند رجل يحبها ، ولها ضرائر إلا أكثرن عليها ، قالت: قلت: سبحان الله ، أو قد تحدث الناس بهذا؟! قالت: فبكيت تلك الليلة [ ص: 223 ]
حتى أصبحت لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم ، ثم أصبحت أبكي ، ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب ، حين استلبث الوحي ليستشيرهما في فراق أهله ، قالت: فأما وأسامة بن زيد فأشار على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذي يعلم من براءة أهله وبالذي يعلم من نفسه لهم من الود ، فقال: يا رسول الله هم أهلك ، ولا نعلم إلا خيرا ، وأما أسامة بن زيد ، فقال: لم يضيق الله عز وجل عليك والنساء سواها كثير ، وإن تسأل الجارية تصدقك . علي بن أبي طالب
قالت: فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة ، فقال: "أي بريرة ، هل رأيت من شيء يريبك من " ؟ فقالت له عائشة بريرة: والذي بعثك بالحق إن رأيت عليها أمرا قط أغمضه عليها أكثر من أنها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها فتأتي الداجن فيأكله ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستعذر من عبد الله بن أبي ، فقال وهو على المنبر: "يا معشر المسلمين ، من يعذرني من رجل قد بلغني أذاه في أهل بيتي ، فو الله ما علمت على أهلي إلا خيرا ، ولقد ذكروا لي رجلا ما علمت عليه إلا خيرا وكان لا يدخل على أهلي إلا معي" ، فقام سعد بن معاذ الأنصاري فقال: أعذرك منه يا رسول الله ، إن كان من الأوس ضربنا عنقه ، وإن كان من إخواننا الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك ، فقام وهو سيد سعد بن عبادة ، الخزرج ، وكان رجلا صالحا ، ولكنه احتملته الحمية ، فقال [لسعد بن معاذ] : لعمرك لا تقتله ولا تقدر على قتله ، فقام وهو ابن عم أسيد بن حضير ، فقال سعد بن معاذ ، لسعد بن عبادة: كذبت لعمر الله لتقتلنه فإنك منافق تجادل عن المنافقين .
فثار الحيان الأوس والخزرج ، حتى هموا أن يقتتلوا ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخفضهم حتى سكتوا وسكت .
قالت: فبكيت يومي ذلك لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم ثم بكيت ليلتي المقبلة لا يرقأ دمع ولا أكتحل بنوم ، وأبواي يظنان أن البكاء فالق كبدي .
قالت: فبينما هما جالسان عندي وأنا أبكي استأذن علي امرأة من الأنصار ، فأذنت لها فجلست تبكي معي ، فبينا نحن على ذلك إذ دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم ثم جلس ، قالت: ولم يجلس عندي منذ قيل لي ما قيل ، وقد لبث شهرا لا يوحى إليه في شأني شيء . قالت: فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جلس ، ثم قال: "أما بعد يا ؛ فإنه قد بلغني عنك كذا وكذا ، فإن كنت بريئة فسيبرئك الله عز وجل ، وإن كنت ألممت بذنب [ ص: 224 ] عائشة
فاستغفري الله وتوبي إليه ، فإن . العبد إذا اعترف بذنب ثم تاب تاب الله عليه
قالت: فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته ، فاض دمعي حتى ما أحس منه قطرة ، فقلت لأبي: أجب عني رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال: والله ما أدري ما أقول يا رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقلت لأمي: أجيبي عني رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالت: والله ما أدري ما أقول يا رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: فقلت: وأنا جارية حديثة السن ، لا أقرأ كثيرا من القرآن ، وإني والله قد عرفت أنكم قد سمعتم هذا حتى استقر في نفوسكم وصدقتم ، ولئن قلت لكم إني بريئة والله عز وجل يعلم أني بريئة ، فلا تصدقوني بذلك ، ولئن اعترفت لكم بأمر والله يعلم أني بريئة تصدقوني ، وإني والله ما أجد لي ولكم مثلا إلا كما قال أبو يوسف: فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون .
قالت: ثم تحولت فاضطجعت على فراشي ، وأنا والله حينئذ أعلم أني بريئة وأن الله عز وجل مبرئي ببراءتي ، ولكن والله ما كنت أظن أن ينزل في شأني وحي ، ولشأني كان أحقر في نفسي من أن يتكلم الله عز وجل في بأمر يتلى ، ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم رؤيا يبرئني الله عز وجل بها ، قالت: فو الله ما رام رسول الله مجلسه ، ولا خرج من أهل البيت أحد حتى أنزل الله عز وجل على نبيه ، من ثقل القول الذي أنزل عليه ، قالت: فلما سري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يضحك ، فكان أول كلمة تكلم بها أن قال: "أبشري يا فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء عند الوحي حتى إنه ليتحدر منه مثل الجمان من العرق في اليوم الشاتي ، أما والله عز وجل فقد برأك" ، فقالت أمي: قومي إليه ، فقلت: لا والله لا أقوم إليه ولا أحمد إلا الله عز وجل هو الذي أنزل براءتي ، عائشة إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم عشر آيات ، فأنزل الله عز وجل هذه الآيات براءتي . وأنزل الله عز وجل:
فقال أبو بكر وكان ينفق على مسطح لقرابته منه وفقره: والله لا أنفق عليه شيئا أبدا ، بعد الذي قال . لعائشة ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة إلى قوله: فأنزل الله عز وجل: ألا تحبون أن يغفر الله لكم .
[ ص: 225 ]
فقال أبو بكر: والله إني لأحب أن يغفر الله عز وجل لي ، فرجع إلى مسطح النفقة التي كان ينفق عليه ، وقال: لا أنزعها منه أبدا .
قالت رضي الله عنها: عائشة عن أمري زينب بنت جحش ، وما علمت أو ما رأيت أو ما سمعت أو ما بلغك ، قالت: يا رسول الله أحمي سمعي وبصري والله ما علمت إلا خيرا ، قالت وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل : وهي التي كانت تساميني من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ، فعصمها الله عز وجل بالورع ، وطفقت أختها عائشة حمنة بنت جحش تحارب لها ، فهلكت فيمن هلكت . قال أن وهذا ما انتهى إلينا من أمر هؤلاء الرهط . ابن شهاب:
أخرجاه في الصحيحين .
وغاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الغزاة ثمانية عشر يوما ، وقدم لهلال رمضان