الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ثم كانت غزاة بدر الموعد لهلال ذي القعدة

وذلك أن أبا سفيان لما أراد أن ينصرف يوم أحد نادى: الموعد بيننا وبينكم بدر الصفراء رأس الحول ، نلتقي بها فنقتتل ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر: "قل نعم إن شاء الله" . فافترق الناس على ذلك ، وتهيأت قريش للخروج ، فلما دنا الموعد كره أبو سفيان [ ص: 205 ] الخروج ، وقدم نعيم بن مسعود الأشجعي مكة ، فقال له أبو سفيان: إني قد واعدت محمدا وأصحابه أن نلتقي ببدر ، وقد جاء ذلك الوقت ، وهذا عام جدب ، وإنما يصلحنا عام خصب ، وأكره أن يخرج محمد ولا أخرج فيجترئ علينا ، فنجعل لك عشرين فريضة يضمنها لك سهيل بن عمرو على أن تقدم المدينة فتخذل أصحاب محمد ، قال:

نعم . ففعلوا وحملوه على بعير ، فأسرع السير ، وقدم المدينة فأخبرهم بجمع أبي سفيان لهم وما معه من العدة والسلاح .

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده لأخرجن وإن لم يخرج معي أحد" .

واستخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم على المدينة عبد الله بن رواحة ، وحمل لواءه علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، وسار معه ألف وخمسمائة ، والخيل عشرة أفراس ، وخرجوا ببضائع لهم وتجارات ، وكانت بدر الصغرى مجتمعا يجتمع فيه العرب ، وسوقا تقوم لهلال ذي القعدة إلى ثمان تخلو منه ، ثم يتفرق الناس إلى بلادهم ، فانتهوا إلى بدر ليلة هلال ذي القعدة ، وقامت السوق صبيحة الهلال ، فأقاموا بها ثمانية أيام ، وباعوا تجاراتهم وربحوا للدرهم درهما ، وانصرفوا وقد سمع الناس بمسيرهم ، وخرج أبو سفيان من مكة في قريش وهم ألفان ومعه خمسون فرسا ، حتى انتهوا إلى مجنة - وهي وراء الظهران - ثم قال: ارجعوا؛ فإنه لا يصلحنا إلا عام خصب نرعى فيه الشجر ونشرب فيه اللبن ، وهذا عام جدب ، فسمى أهلمكة ذلك الجيش جيش السويق ، يقولون: خرجوا يشربون السويق ، فقال صفوان بن أمية لأبي سفيان: قد نهيتك أن تعد القوم ، وقد اجترأوا علينا ورأونا قد أخلفناهم ، ثم أخذوا في الكيد والتهيؤ لغزاة الخندق .


أخبرنا محمد بن أبي طاهر ، قال: أخبرنا الحسين بن علي الجوهري ، قال:

أخبرنا أبو عمرو بن حيويه ، قال: أخبرنا أحمد بن معروف الخشاب ، قال: أخبرنا الحارث بن أبي أسامة ، قال: أخبرنا محمد بن سعد ، قال: أخبرنا حجاج بن محمد ، عن ابن جريح ، عن مجاهد: الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا . قال: هذا أبو سفيان قال يوم أحد: يا محمد موعدكم بدر [ ص: 206 ] حيث قتلتم أصحابنا ، فقال محمد صلى الله عليه وسلم: عسى! فانطلق النبي صلى الله عليه وسلم لموعده حتى نزلوا بدرا ، فوافقوا السوق فذلك قوله تعالى: فانقلبوا بنعمة من الله وفضل والفضل ما أصابوا من التجارة ، وهي غزاة بدر الصغرى .

وفي هذه السنة: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن ثابت أن يتعلم كتاب اليهود ، وقال:

"إني لا آمنهم أن يبدلوا كتابي" ، فتعلمه في خمس عشرة ليلة
.

وفيها: رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهودي واليهودية في ذي القعدة ، ونزل قوله تعالى:

ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون


التالي السابق


الخدمات العلمية