الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ثم كانت سرية عمرو بن أمية الضمري وسلمة بن أسلم إلى أبي سفيان بمكة

وكان سبب ذلك أن أبا سفيان قال لنفر من قريش : ألا رجل يغتال محمدا فإنه يمشي في الأسواق ، فقال له رجل من العرب : إن قويتني خرجت إليه حتى أغتاله ، ومعي خنجر مثل خافية النسر ، فأعطاه بعيرا ونفقة ، فخرج ليلا ، فسار على راحلته خمسا وصبح [ظهر] الحرة صبح سادسة ، وأقبل يسأل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى دل عليه ، فعقل راحلته ، ثم أقبل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قاعد في مسجد بني عبد الأشهل ، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال: "إن هذا ليريد غدرا" ، فذهب ليجني على رسول الله صلى الله عليه وسلم فجذبه أسيد بن الحضير بداخلة إزاره ، فإذا بالخنجر فسقط في يديه ، وقال: دمي دمي ، فأخذ أسيد بلبته فدعته فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اصدقني" ، فأخبره الخبر وأسلم ، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن أمية الضمري ، وسلمة بن أسلم إلى أبي سفيان ، وقال: "إن أصبتما منه غرة فاقتلاه ، فدخلا مكة ، فمضى عمرو يطوف بمكة ليلا فرآه معاوية فعرفه ، فأخبر قريشا بمكانه فطلبوه ، وكان فاتكا في الجاهلية - فهرب هو وسلمة ، فلقي عمرو بن عبيد الله بن مالك فقتله ، وقتل آخر من بني الديل سمعه يقول:


ولست بمسلم ما دمت حيا ولست أدين دين المسلمينا

ولقي رسولين لقريش بعثتهما يتحسسان الخبر ، فقتل أحدهما ، وأسر الآخر ، فقدم به [المدينة] وجعل يخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم خبره ، والنبي صلى الله عليه وسلم يضحك .


هذا قول محمد بن سعد ، كاتب الواقدي .

وذكر ابن إسحاق عن أشياخه : أن هذا كان في سنة أربع ، وأن عمرو بن أمية [ ص: 266 ] قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد قتل خبيب وأصحابه ، وبعث معي رجلا من الأنصار ، فقال: ائتيا أبا سفيان فاقتلاه ، فخرجنا وليس مع صاحبي بعير ، فلما وصلنا عقلت بعيري ، وقلت لصاحبي إني أريد أن أقتل أبا سفيان؛ فإن أصبت شيئا فالحق ببعيري فاركبه والحق بالمدينة ، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم . فلما دخلنا مكة قال لي صاحبي: هل لك أن تطوف؟ فقلت: أنا أعلم بأهل مكة منك ، فلم يزل بي حتى طفنا ، فمررنا بمجلس ، فعرفني رجل منهم ، فصاح بأعلى صوته: هذا عمرو بن أمية الضمري ، فتبادر أهل مكة ، قالوا:

والله ما جاء عمرو لخير ، فقاموا في طلبي ، فقلت لصاحبي: "النجاء ، فهذا الذي كنت أخاف ، وليس إلى الرجل سبيل فانج بنفسك" ، فخرجنا نشتد حتى أصعدنا في الجبل ، فدخلنا غارا فبتنا فيه ليلتنا فأعجزناهم فرجعوا ، فإذا عثمان بن مالك التميمي قد وقف بباب الغار ، فخرجت إليه فوجأته بخنجر معي فصاح صيحة أسمع أهل مكة ، فأتوا إليه ، ورجعت إلى مكاني ، فجاءوه وبه رمق ، فقالوا: ويلك من؟ قال: عمرو بن أمية ، ثم مات ولم يستطع أن يخبرهم بمكاننا ، فقالوا: والله لقد علمنا أنه ما جاء لخير ، فاشتغلوا بصاحبهم ، فأقمنا في الغار يومين ، ثم خرجنا إلى التنعيم فإذا خشبة خبيب وحوله من يحرسه ، فقلت للأنصاري: إن خشيت فخذ الطريق إلى جملي فاركبه ، والحق برسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخبره الخبر واشتددت إلى خشبته فاحتللته واحتملته على ظهري ، فو الله ما مشيت به إلا نحو ذراعين [حتى نذروا بي فطرحته] فما أنسى وجبته حين سقط فاشتدوا في أثري فأخذت طريق الصفراء ، فرجعوا ، وانطلق صاحبي فركب بعيري ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخبره الخبر ، وأقبلت أمشي حتى أشرفت على ضجنان ، فدخلت غارا ، فدخل علي رجل من بني الديل ، فقال: من الرجل؟ فقلت: من بني بكر ، قال:

وأنا من بني بكر ، ثم اضطجع معي ، ثم رفع عقيرته يتغنى ، ويقول:


ولست بمسلم ما دمت حيا     ولست أدين دين المسلمينا

فقلت: سوف تعلم ، فنام ، فقمت فقتلته شر قتلة ، وخرجت فلقيت رجلين من قريش يتحسسان أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت: استأسرا ، فقالا: أنحن نستأسر لك؟ [ ص: 267 ] فرميت أحدهما بسهم فقتلته ، ثم قلت للآخر: استأسر ، فاستأسر ، فأوثقته ، فقدمت به على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد شددت إبهامه بوتر قوسي ، فنظر إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم فضحك ودعا لي بخير .


التالي السابق


الخدمات العلمية