مؤتة وهي بأدنى البلقاء دون سرية دمشق في جمادى الأولى سنة ثمان .
قال علماء السير: الحارث بن عمرو الأزدي [أحد بني لهب] إلى ملك بصرى بكتاب ، فلما نزل مؤتة عرض له شرحبيل بن عمرو الغساني ، فقتله ، ولم يقتل لرسول الله صلى الله عليه وسلم رسول غيره ، فشق ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم وندب الناس فأسرعوا وعسكروا بالجرف ، وهم ثلاثة آلاف ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أمير الناس فإن قتل زيد بن حارثة ، فجعفر بن أبي طالب ، فإن قتل فعبد الله بن رواحة ، فإن قتل فليرتض المسلمون منهم رجلا ، وعقد لهم صلى الله عليه وسلم لواء أبيض ، وخرج مشيعا لهم حتى بلغ ثنية الوداع ، فوقف وودعهم ، وأمرهم أن يأتوا مقتل الحارث بن عمير ، وأن يدعوا من هناك إلى الإسلام ، فإن أجابوا وإلا قاتلوهم .
فلما فصلوا [من المدينة ] سمع العدو بمسيرهم ، فجمعوا لهم وقام [فيهم]
[ ص: 319 ]
شرحبيل فجمع أكثر من مائة ألف ، فمضوا إلى مؤتة ووافاهم المشركون بما لا قبل لهم به ، فأخذ اللواء فقاتل حتى قتل ، ثم أخذه زيد [بن حارثة] جعفر فقاتل حتى قتل ، ضربه رجل من الروم فقطعه نصفين ، فوجد في أحد نصفيه أحد وثلاثون جرحا ، ثم أخذه فقاتل حتى قتل ، فاصطلح الناس على عبد الله بن رواحة فأخذ اللواء ، وانكشف الناس [فكانت الهزيمة] فتبعهم المشركون فقتل ثمانية ممن يعرف من المسلمين ، ورفعت الأرض لرسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نظر إلى معترك القوم . فلما أخذ اللواء خالد بن الوليد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الآن حمي الوطيس" . فلما سمع أهل خالد [بن الوليد] المدينة بجيش مؤتة قادمين تلقوهم [بالجرف] ، فجعل [الناس] يحثون في وجوههم التراب ، ويقولون: يا فرار ، أفررتم في سبيل الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليسوا بفرار ولكنهم كرار إن شاء الله تعالى" . أخبرنا بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم محمد بن أبي القاسم ، [أخبرنا أحمد بن أحمد ، أخبرنا أحمد بن عبد الله الحافظ ، حدثنا حبيب بن الحسن ، حدثنا محمد بن يحيى ، حدثنا أحمد بن محمد بن أيوب ، حدثنا إبراهيم بن سعد ، عن ، قال: حدثني محمد بن إسحاق محمد بن جعفر بن الزبير] ، عن قال: عروة بن الزبير ،
لما تجهز الناس وتهيأوا للخروج إلى مؤتة ، قال المسلمون: صحبكم الله ودفع عنكم ، فقال رضي الله عنه: عبد الله بن رواحة
لكنني أسأل الرحمن مغفرة وضربة ذات فرغ تقذف الزبدا
[ ص: 320 ]أو طعنة بيدي حران مجهزة بحربة تنفذ الأحشاء والكبدا
حتى يقولوا إذا مروا على جدثي أرشدك الله من غاز وقد رشدا
أخبرنا محمد بن ناصر ، [وعلي بن أبي عمر ، قال: أخبرنا رزق الله وطراد ، قالا:
أخبرنا أبو الحسين بن رشدان ، أخبرنا حدثنا ابن صفوان ، أبو بكر القرشي ، قال:
حدثني أبي حدثنا عبد القدوس بن] عبد الواحد الأنصاري ، قال: حدثني الحكم بن عبد السلام بن النعمان بن بشير:
أن رضي الله عنه حين قتل ، دعا الناس: يا جعفر بن أبي طالب وهو في جانب العسكر ومعه ضلع جمل ينهشه ولم يكن ذاق طعاما قبل ذلك بثلاث ، فرمى بالضلع ثم قال: وأنت مع الدنيا ، ثم تقدم فقاتل ، ثم أصيبت أصبعه ، فارتجز وجعل يقول : عبد الله بن رواحة ،
هل أنت إلا أصبع دميت وفي سبيل الله ما لقيت
يا نفس إن لم تقتلي تموتي هذي حياض الموت قد صليت
[ ص: 321 ] وما تمنيت فقد لقيت إن تفعلي فعلها هديت
ثم قال: يا نفس أي شيء تتوقين؟ إلى فلانة؟ فهي طالق [ثلاثا] ، وإلى فلان وفلان - عبيد له - فهم أحرار ، وإلى معجف - حائط له - فهي لله ورسوله ، ثم ارتجز وقال:
يا نفس ما لك تكرهين الجنه أقسمت بالله لتنزلنه
طائعة أو لتكرهنه قد طال ما قد كنت مطمئنه
هل أنت إلا نطفة في شنه قد أجلب الناس شدو الرنه