فصل : فأما فإحرامه غير منعقد ، ولا فدية عليه فيما فعله من محظورات الحج ، وإنما لم يصح إحرامه بالحج : لأن الحج من عبادات الأبدان ، وعبادات الأبدان لا تصح من الكافر كالصلاة والصيام ، إذا كان ذلك كذلك لم يخل حال إسلامه من أحد أمرين : إما أن يكون في زمان الوقوف أو بعد ذلك الوقوف ، فإن كان بعد زمان الوقوف لم يلزمه فرض الحج في عامه ؛ لفوات وقته قبل إسلامه ، ولزمه فرض العمرة للقدرة على فصلها وله أن يؤخرها : لأن فرضها على التراخي والتوسعة ، فإن أتى بالعمرة في وقته فلا دم عليه : لأنه حين مر بالميقات لم يكن مريدا للعمرة وإن كان إسلامه قبل زمان الوقوف الكافر إذا أحرم بالحج ، ثم أسلم بعرفة ، وفي زمان الوقوف بعرفة ، ويمكنه إدراك الوقوف بعرفة فقد وجب عليه فرض الحج والعمرة في عامه ، وهو بالخيار بين أن يأتي بالحج في عامه فينوي الإحرام به في وقته ويقف بعرفة ، وبين أن يؤخره [ ص: 247 ] عن عامه إلى عام غيره ؛ لأن فرض الحج عندنا على التراخي والتوسعة ، فإن أخره عن عامه فلا دم عليه ؛ لأنه مر بميقاته مريدا بالحج في غير علمه ، لم يلزمه دم ، وإنما يلزم من أراد الإحرام به في عامه ، فهذا إذا أراد تأخير الحج ، وإن أراد فعل الحج في عامه فعليه أن يستأنف إحراما بالحج جديدا : لأن إحرامه الأول غير منعقد ، فإذا استأنف الإحرام نظر فإن عاد إلى ميقاته قبل عرفة فلا دم عليه ، وإن لم يعد إلى ميقاته قبل عرفة أجزأه حجه وعليه دم لمجاوزة ميقاته قولا واحدا : لأنه قد مر بميقات بلده مريدا للحج في عامه ، فلم يحرم منه إحراما صحيحا ، وهذا بخلاف الصبي والعبد في أحد القولين ؛ لأن إحرامهما صحيح .
وقال المزني : لا دم عليه ، وبه قال أبو حنيفة استدلالا بشيئين :
أحدهما : قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : والجواب عنه أن الدم وجب عليه بعد الإسلام لا قبله . الإسلام يجب ما كان قبله
والثاني : أنه قال : إذا كان الإحرام من الميقات لا يصح منه فهو كمن مر به غير مريد للحج ، فلا يلزمه دم قبل هذا مريد للحج ، فلم يجز أن يقال إنه غير مريد وفعل الإحرام يصح منه ؛ لأنه قد تقدم على الإسلام فلم يصح أن يقال : الإحرام لا يصح منه والله أعلم .