فصل : فأما فإحرامه باطل غير منعقد : لأن الردة تنافي العبادات ، فلم ينعقد الإحرام معها كالكفر ، فأما إذا المرتد إذا أحرم بالحج في حال ردته ، ففي بطلانه وجهان : أحرم بالحج وهو مسلم ، ثم ارتد في أثناء إحرامه
أحدهما : قد بطل حجه بحدوث الردة فيه كما تبطل الصلاة والصيام .
والوجه الثاني : أن حجه لا يبطل لحدوث الردة فيه ، فإن أسلم بنى على حجه وأجزأه ؛ لأن الحج لما لم يخرج منه بالفساد لم يخرج فيه بالردة ، فأما إذا لم يبطل حجه الماضي ، ولم يبطل عمله المتقدم إلا أن يموت على الردة ، فإن عاد إلى الإسلام لم يلزمه قضاء الحج . أتم المسلم حجه ثم ارتد
وقال أبو حنيفة : قد بطل ما تقدم من حجه بحدوث الردة بعده : لأن الردة قد أحبطت عمله استدلالا بقوله تعالى : لئن أشركت ليحبطن عملك [ الزمر : 65 ] ، وبقوله تعالى : ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله [ المائدة : 5 ] ، فأحبط عمله في هذين الآيتين بنفس الكفر حول الموت عليه ، وبما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ، فكان ظاهره يقتضي سقوط جميع عمله ؛ ولأنه أحدث إسلاما ، فوجب أن يستأنف الحج كالكافر الأصلي ؛ ولأنه إذا مات مرتدا فقد حبط عمله إجماعا ، ولا يخلو أن يحبط عمله بالشرك أو بالموت ، فلم يجز أن يحبط عمله بالموت ؛ لأن المسلم يموت ولا يحبط عمله فثبت أنه قد أحبط عمله بالردة . الإسلام يجب ما كان قبله
[ ص: 248 ] ودليلنا قوله تعالى : فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف [ البقرة : 275 ] وهذا المرتد إذا أسلم بعد ردته فقد انتهى بموعظة من ربه فوجب أن يكون له ما سلف من عمله وقال تعالى : ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة [ البقرة : 217 ] وهذا نص في أن حبط العمل لا يكون بنفس الردة حتى يقترن بالموت ، وفيها انفصال عن الاثنين ؛ ولأن كل من لزمه حجة الإسلام لم تلزمه حجة أخرى بأصل الشرع كالمسلم غير المرتد .
فأما الجواب عن الاثنين فقد مضى وأنهما محمولتان على من مات مرتدا .
وأما قوله : فلا دليل فيه لأنا قد أجمعنا أن الإسلام لا يجب ما كان قبله ؛ لأنهم يقولون إن عمله يحبط بالردة ، ونحن نقول بالردة وبالموت ، وما أحد منا يقول : إن عمله يحبط بالإسلام فسقط الاستدلال به لأن ظاهره متروك . الإسلام يجب ما كان قبله
وأما قياسهم على الكافر الأصلي فالمعنى في الكافر الأصلي : أنه لم يسقط حجة الإسلام عن نفسه فلذلك لزمه فعلها وليس كذلك المرتد .
وأما قولهم إن عمله إما أن يحبط بالموت أو بالردة .
قلنا : لا بل عمله يحبط بهما فأما بأحدهما فلا ، والله أعلم .