فصل : فأما الفصل الثاني من الفصول الأربعة وهو أن يعين له الإحرام بنسك فيحرم بغيره فهذا على أربعة أقسام :
أحدها : أن يعين له في العقد الإحرام بحج فيحرم بغيره .
والثاني : أن يعين له الإحرام بعمرة فيحرم بغيرها .
والثالث : أن يعين له الإحرام بالقران فيحرم بغيره .
والرابع : أن يعين له الإحرام بالتمتع فيحرم بغيره .
فأما القسم الأول - وهو أن يعين له الإحرام بحجة مفردة فيحرم بغيرها - فعلى ثلاثة أقسام :
أحدها : أن يحرم بعمرة .
والثاني : أن يحرم قارنا .
والثالث : أن يتمتع .
فأما القسم الأول من هذه الأقسام الثلاثة : وهو أن لهذه العمرة فلا يسقط ما لزمه من الحج ثم لا يخلو حال المحجوج عنه من أحد أمرين . يستأجره لحجة مفردة فيعتمر
إما أن يكون حيا أو ميتا فإن كان حيا كانت العمرة واقعة عن الأجير دون المستأجر : لأنه لم يأذن له في العمرة والحي لا يجوز أن يعتمر عنه إلا بإذنه ، وإن كان ميتا لم يخل حاله من أحد أمرين : إما أن تكون عمرة الإسلام واجبة عليه أو ساقطة عنه ؛ فإن كانت عمرة الإسلام واجبة عليه كانت العمرة واقعة عنه : لأن الأجير قد نواه بها والميت يجوز أداء الحج والعمرة عنه بإذن وبغير إذن ويكون متطوعا بها ولا أجرة له فيها وعليه أن يحج عنه بعقد الإجارة ، وإن كانت عمرة الإسلام غير واجبة على الميت فهل تكون العمرة واقعة عن الأجير أو عن الميت ؟ على قولين مبنيين على اختلاف قولي الشافعي في جواز ، وأحد القولين أن النيابة في تطوع ذلك لا يجوز ، فعلى هذا تكون العمرة واقعة عن الأجير دون الميت وعلى الأجير أن يحج عن الميت بعقد الإجارة . النيابة في حج التطوع وعمرة التطوع
والقول الثاني : أن النيابة في تطوع ذلك جائزة ، فعلى هذا تكون العمرة واقعة عن الميت دون الأجير وهو متطوع بها لا يستحق عليها أجرة ، وعليه أن يحج عن الميت بعقد الإجارة .
[ ص: 265 ] والقسم الثاني : أن عنه فهذا على ضربين : يستأجره لحجة مفردة فيقرن
أحدهما : أن يكون الحج عن حي .
والثاني : أن يكون عن ميت فإن كان الحج عن حي فالقران واقع عن الأجير دون المستأجر الحي : لأنه لا يجوز أن ينوب عن الحي في العمرة إلا بإذنه والحي لم يأذن له في أجرة فلم تقع عنه ، إذا لم تقع عن المستأجر كانت واقعة عن الأجير وإذا وقعت العمرة عن الأجير كان الحج تبعا لها ؛ لأنه لا يجوز أن يقع أحد نسكي الفوات عن شخص والآخر عن غيره ، وإن كان الحج عن ميت فعلى ضربين :
أحدهما : أن يكون فرض العمرة باقيا عليه ، فهذا يكون عن الميت فيقع الحج والعمرة معا عنه ويكون الأجير متطوعا بالعمرة مؤديا للحج فيسقط عنه الحج المستحق عليه بعقد الإجارة ويستحق جميع الأجرة ، وقد تطوع بالعمرة فلا يستحق عليها أجرة ، وقد وجب عليه دم القران في ماله ؛ لأنه تطوع به .
والضرب الثاني : أن يكون فرض العمرة قد سقط عنه فيكون على ما ذكرنا من القولين في جواز التطوع بذلك عن الميت :
أحدها : أن العمرة والحج معا يكونان عن الميت وقد تطوع الأجير بالعمرة فلا يستحق عليها عوضا ، وقد سقط عنه الحج واستحق جميع الأجرة .
والقول الثاني : إن الحج والعمرة معا يقعان عن الأجير : لأن العمرة لا يصح التطوع بها عن الميت فوقعت عن الأجير ، والحج في القران لا يصح أن يفرد عن العمرة فوقع عن الأجير ولا يستحق على ذلك أجرة : لأنه عمل لنفسه ويكون ما استحق عليه من الأجرة بعقد الإجارة باقيا عليه .
فأما قول الشافعي في كتاب " الأم " : وإذا أستأجره ليحج عنه فقرن فقد زاده خيرا واستحق الأجرة المسماة فهو محمول على الحج عن الميت دون الحي على ما قسمنا . والقسم الثالث : أن ؛ فمعلوم أن العمرة في التمتع مفردة عن الحج فيكون الكلام في العمرة على ما مضى من القسم الأول من وقوعها عن الأجير أو المستأجر ، فإن وقعت عن المستأجر كان الأجير متطوعا بها ، فأما الحجة فهي واقعة عن المحجوج عنه حيا كان أو ميتا دون الأجير لإفرادها عن العمرة إلا أنه استؤجر ليحرم بها من الميقات فأحرم بها من يستأجره لحجة مفردة ، فتمتع مكة فيكون عليه دم لمجاوزة الميقات ، وهل يرد من الأجرة قسط ذلك أم لا ؟ على ما ذكرنا من اختلاف أصحابنا ولا دم على الأجير في تمتعه : لأن دم التمتع إنما يجب إذا وقع النسكان معا عن شخص واحد ، فأما إذا وقعا عن شخصين فلا ، إلا أن تقع [ ص: 266 ] العمرة عن المحجوج عنه لكونه ميتا فيجب على الأجير دم التمتع لوقوع النسكين عن شخص واحد فيكون الواجب عليه دمين : دم المتعة ودم مجاوزة الميقات .