فصل : قد مضى الكلام في صيد الحرم ، فأما المدينة فهو على مذهب صيد الشافعي حرام كصيد الحرم ، وقال أبو حنيفة : صيد المدينة حلال استدلالا بأن صيد المدينة مما تعم [ ص: 327 ] به البلوى ، وما عم به البلوى يجب أن يكون بيانه منتشرا وفي الناس مستفيضا ، وليس فيه استفاضة ، فلم يصح تحريمه والدلالة عليه : ما روى أسعد بن سوار عن نافع عن ابن عمر أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال : إبراهيم كان عبد الله وخليله ، وإني عبد الله ورسوله ، وإن إبراهيم حرم مكة ، وإني حرمت المدينة ، فلا يحل لمسلم أن يقطع شجرها إلا لعلف بعيره فأخبر أنه حرم إن المدينة كما حرم إبراهيم مكة ، ثم كان صيد مكة حراما فوجب أن يكون صيد المدينة حراما .
وروى عثمان بن حكيم عن عامر بن سعد عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : المدينة أن لا يقطع عضاهها ولا يقتل صيدها ، وقال : إني لأحرم ما بين لابتي المدينة خير لهم لو كانوا يعلمون لا يخرج عنها أحد رغبة عنها إلا أبدل الله فيها من هو خير منه ، ولا يثبت أحد على لأوائها وجهدها إلا كنت له شفيعا أو شهيدا يوم القيامة ، وهذا نص ظاهر في تحريم الصيد .
وروى يزيد التيمي عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : المدينة حرام ما بين عير إلى ثور وهما جبلان إن بالمدينة .
وروى الزهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة قال : " المدينة " قال حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بين لابتي أبو هريرة : فلو وجدت الضباء ما بين لابتيها ما زعرتها وجعل حول المدينة اثنا عشر ميلا ، فدلت هذه الأخبار المستفيضة على تحريم صيد المدينة .