الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            [ ص: 329 ] باب جزاء الطائر

                                                                                                                                            ( قال الشافعي ) : " والطائر صنفان : حمام وغير حمام ، فما كان منها حماما ففيه شاة اتباعا لعمر وعثمان وابن عباس ونافع بن عبد الحرث وابن عمر وعاصم بن عمر وسعيد بن المسيب " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : قد ذكرنا أن الصيد ضربان :

                                                                                                                                            أحدهما : دواب وطائر ، فأما الدواب فقد مضى الكلام فيها ، وأما الطائر فضربان :

                                                                                                                                            مأكول وغير مأكول . فأما غير المأكول : فيأتي . وأما المأكول : فعلى ثلاثة أضرب :

                                                                                                                                            حمام ، ودون الحمام ، وفوق الحمام .

                                                                                                                                            فأما الحمام فهو عند العرب معروف ، كـ " القماري " والدباسي ، والفواخت والوراشين ، وكذلك اليمام كالحمام ، والحمام عند العرب : ما كان مطوقا واليمام : ما لم يكن مطوقا ، وكلاهما في الحكم والمعنى سواء .

                                                                                                                                            قال الشافعي : وعامة الحمام ما وصفت ما عب في الماء عبا من الطير فهو حمام ، وما شربه قطرة قطرة كشرب الدجاج فليس بحمام .

                                                                                                                                            وجملته : أن كل ما عب وهدر وزق فرخه فهو حمام ، واليمام مثله .

                                                                                                                                            والعب هو : أن يشرب الماء دفعة واحدة .

                                                                                                                                            والهدر هو : أن يواصل صوته .

                                                                                                                                            فإذا ثبت أن الحمام هو ما وصفت ، فإذا أصابه في الحرم أو الإحرام ، ففيه شاة ، وقال أبو حنيفة : في الحمام قيمته .

                                                                                                                                            والدلالة عليه إجماع الصحابة - رضي الله عنهم - وهو : ما روي عن نافع بن عبد الحرث قال : قدم عمر بن الخطاب رضي الله عنه مكة فدخل دار الندوة في يوم جمعة ، وأراد أن يستقرب منها الرواح إلى المسجد ، فألقى رداءه على واقف في البيت ، فوقع عليه طير من هذا الحمام ، فأطاره فانتهزته حية فقتلته ، فلما صلى الجمعة دخلت عليه أنا وعثمان فقال : احكما علي في شيء صنعته اليوم ، إني دخلت هذه الدار ، وأردت أن أستقرب منها [ ص: 330 ] الرواح إلى المسجد ، فألقيت ردائي على هذا الواقف ، فوقع عليه طير من هذا الحمام ، فخشيت أن يلطخه بسلحه فأطرته عنه ، فوقع على هذا الواقف الآخر ، فانتهزته حية فقتلته ، فوجدت في نفسي أني أطرته من منزلة كان منها آمنا إلى موقفة كان فيها حتفه " ، فقلت لعثمان بن عفان كيف ترى في عنز ثنية عفراء تحكم بها على أمير المؤمنين ؟ فقال : إني أرى ذلك ، فأمر بها عمر .

                                                                                                                                            وروى عطاء أن ابنا لعثمان بن عبد الله بن حميد قتل حمامة ، فقيل ذلك لابن عباس ، فقال : يذبح شاة يتصدق بها .

                                                                                                                                            وروي عن ابن عمر : أن رجلا سأله فقال : أغلقت بابا على حمامة وفرختها في الموسم ، فرجعت وقد متن ، فقال ابن عمر : عليك بثلاث شياه ، فكان هذا مذهب عمر وعثمان ونافع بن عبد الحرث وابن عباس وابن عمر وغيرهم مما ذكره الشافعي ، وليس لهم في الصحابة مخالف .

                                                                                                                                            واختلف أصحابنا في الشاة الواجبة في الحمام هل وجبت توقيفا أو من جهة المماثلة والشبه ؟ على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : وهو منصوص الشافعي : أنها وجبت اتباعا للأثر وتوقيفا عن الصحابة لا قياسا .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أنها وجبت من حيث الشبه والمماثلة : لأن فيها أنسا وإلفا ، وأنهما يعبان في الماء عبا .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية