مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " وإن لبى بأحدهما فنسيه ، فهو قارن " .
قال الماوردي : هذا كما قال : إذا فلم يدر بعمرة كان إحرامه أم بحج ؟ فالصحيح في مذهبه والمشهور من قوله ، وما نص عليه في أكثر كتبه أنه يكون قارنا ، ولا يجوز له التحري . وقال في القديم في باب وجه الإهلال ومن لبى ينوي شيئا ، فنسي ما نوى ، فأحب إلي أن يقرن : لأن القران باق على ما نوى ، وإن تحرى رجوت أن يجزئه إن شاء الله ، فاستحب له أن يقرن ، وجوز له أن يتحرى فخرجه أصحابنا على قولين : أحرم بأحد نسكين ، ثم نسيه
أحدهما : وهو قوله في القديم : يجوز أن يتحرى فيهما ويجتهد ، كما يجوز أن يتحرى في الإنائين ، ويجتهد في القبلة عند اشتباه الجهتين ، وفي الصوم عند اشتباه الزمانين .
والقول الثاني : أن يكون قارنا ، ولا يجوز أن يتحرى ، لأن التحري إنما يجوز عند اشتباه ما ليس من فعله ، كالإنائين والجهتين ، فأما عند الاشتباه في فعله فالتحري غير جائز فيه ، وإنما يرجع فيه إلى العلم ويبني فيه على اليقين كما لو اشتبه عليه أداء صلاة وأعداد ركعات عمل فيه على اليقين ، ولم يجز الاجتهاد ، فكذا الإحرام ، لما كان من فعله وجب أن يعمل فيه على اليقين ، فينوي القران ولا يسوغ له الاجتهاد : لأن الاجتهاد والتحري إنما يجوز فيما عليه دلالة تدل على صحته ، كجهات القبلة والأواني : لأن على القبلة دلائل ، وعلى تنجيس الأواني دلائل يمكن الرجوع إليها ، والاستدلال بها ، فجاز الاجتهاد فيها ، وليس على النسك الذي أحرم به دلالة ، يعمل عليها ، ولا أمارة يرجع إليها فلم يجز له الاجتهاد ، ولزمه الأخذ باليقين ، وأما إذا شك ، هل كان قارنا أو مفردا أو معتمرا : فقد اختلف أصحابنا ، فعلى قول البصريين : يكون قارنا ولا يجوز له التحري ، قولا واحدا ، وعلى قول البغداديين : يكون على قولين كما مضى ، وكلام الشافعي في القديم محتمل .