قال الماوردي : أما ومناسكهما ، فالمرأة والرجل فيهما سواء ، وإنما يختلفان في شيء من هيئات الأركان الأربعة ، الإحرام ، والوقوف ، والطواف ، والسعي ، فأما أركان الحج والعمرة في خمسة أشياء : هيئات الإحرام ، فالمرأة فيها مخالفة للرجل
أحدها : أن المرأة مأمورة بلبس الثياب المخيطة ، كالقميص ، والقباء ، والسراويل ، والخفين ، ولبس ما هو أستر لها : لأن عليها ستر جميع بدنها ، إلا وجهها وكفيها ، ولا فدية عليها ، والرجل منهي عن لبس ذلك مأمور بالفدية فيه .
والثاني : أن المرأة مأمورة ، بخفض صوتها بالتلبية ، والرجل مأمور برفع صوته بالتلبية ،
لأن صوت المرأة يفتن سامعه ، وربما كان أفتن من النظر ، قال الشاعر :
[ ص: 93 ]
يا قوم أذني لبعض الحج عاشقة والأذن تعشق قبل العين أحيانا
والثالث : أن حرم المرأة في وجهها فلا تغطيه ، كما كان حرم الرجل في رأسه فلا يغطيه ، لرواية موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر " " . وروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن تنتقب المرأة وهي محرمة وتلبس القفازين نافع عن ابن عمر موقوفا ، وبعضهم يرويه مسندا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " فلا تغطيه إحرام المرأة في وجهها " .فإذا ثبت أن على المرأة كشف وجهها في الإحرام ، فليس لها أن تغطي شيئا منه ، إلا ما استعلى من الجبهة واتصل بقصاص الشعر الذي لا يمكن للمرأة ستر رأسها بالقناع إلا بشده : لأن ما لم يمكن ستر العورة إلا به فهو كالعورة في وجوب ستره ، فإن سترت سوى ذلك من وجهها ، بما يماس البشرة ، فعليها الفدية ، قليلا كان أو كثيرا ، ولو غطته بكفيها ، لم تفتد ، كالرجل يفتدي إذا غطى رأسه ، ولا يفتدي إذا غطاه بكفيه ، فإن أسدلت على وجهها ثوبا من غير أن يماس البشرة ، جاز ذلك أن تأخذ ثوبا فتشده عند قصاص الشعر ، كالكور ، وتسدل عليه الثوب وتمسكه بيديها حتى لا يماس وجهها ، فإنما جاز ذلك لما روى مجاهد عن عائشة قالت : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أقبل الراكب يأمرنا أن نسدل على وجوهنا سدلا " ولأن للمحرم أن يظلل فوق رأسه ويغطيه ، كذلك المحرمة في وجهها .
والرابع : لبس القفازين في كفيها ، فيه قولان منصوصان :
أحدهما : قاله في هذا الموضع ، فلها لبسهما ، ولا فدية عليها فيها ، وبه قال سعد بن أبي وقاص ، وأبو حنيفة : لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما جعل حرم المرأة في وجهها ، دل على انتفائه عن سائر بدنها .
ولأنه شخص محرم ، فوجب أن يتعلق حرمه بموضع واحد من بدنه كالرجل ، ولأن الإحرام لو منع من تغطية كفيها بالقفازين ، لمنع من تغطيتها بالكمين ، كالوجه الذي لا يحرم بتغطيته بشيء دون شيء ، فلما جاز تغطية كفيها بالكمين ، جاز بالقفازين .
والقول الثاني : نص عليه في القديم والأم : ليس لها لبسهما ، فإن لبستهما أو أحدهما فعليها الفدية ، وبه قالت عائشة ، وابن عمر لرواية ابن عمر " " . ولأن ما ليس بعورة من الحرة ، يقتضي أن يتعلق الإحرام به كالوجه : لأن الرجل لما لم يتعلق حكم الإحرام برأسه في وجوب كشفه تعلق بسائر بدنه في المنع من لبس المخيط فيه ، مع جواز تغطيته ، كذلك المرأة لما [ ص: 94 ] تعلق حكم الإحرام بوجهها في وجوب كشفه وجب أن يتعلق حكمه بموضع من بدنها في المنع من لبس المخيط فيه مع جواز تغطيته . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن تنتقب المرأة وهي محرمة وتلبس القفازين
والخامس : أن من ، ولا يكون عسفا لرواية المستحب لها أن تختضب لإحرامها بالحناء موسى بن عبيدة عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : المرأة المحرمة فلتلطخ بدنها بالحناء . ولما روي أن امرأة أخرجت يدها لتبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فرآها بيضاء ، فقال : هذا كف سبع أين الحناء ؟ ولأن فيه مباينة للرجال ، وقد روي عنه عليه السلام أنه . فأما الخضاب في حال إحرامها ، فقد قال لعن المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال الشافعي : كرهت ذلك لها ، ولا فدية عليها فيه ، وإن خالف أبو حنيفة فيه ، على ما سيأتي الكلام معه . ثم ينظر فإن طلت يدها بالحناء من غير أن تلف عليها الخرق ، فلا شيء عليها ، وإن لفت عليها الخرق وشدتها بالعصائب ، فإن قلنا : إن لبس القفازين جائز ، فلا فدية عليها ، وإن قلنا : إن لبس القفازين غير جائز ، وأن الفدية في لبسهما واجبة ، فهل عليها الفدية في الخرق والعصائب ؟ على وجهين :
أحدهما : عليها الفدية تشبها بالقفازين .
والوجه الثاني : لا فدية عليها تشبها بالكمين .