[ ص: 282 ] باب قتل المحرم الصيد عمدا أو خطأ
مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " وعلى من قتل الصيد الجزاء عمدا كان أو خطأ ، والكفارة فيهما سواء لأن كلا ممنوع بحرمة وكان فيه الكفارة ، وقياس ما اختلفوا من كفارة قتل المؤمن عمدا على ما أجمعوا عليه من كفارة قتل الصيد عمدا ( قال ) والعامد أولى بالكفارة في القياس من المخطئ " .
قال الماوردي : وهذا كما قال : قتل الصيد حرام في الحرم والإحرام وهو مضمون بالجزاء عمدا كان أو خطأ . قال الله تعالى : ياأيها الذين آمنوا ليبلونكم الله بشيء من الصيد تناله أيديكم ورماحكم [ المائدة : 94 ] ، ففي قوله ليبلونكم تأويلان :
أحدهما : معناه ليختبرنكم .
والثاني : ليكلفنكم . وفي قوله تعالى : تناله أيديكم ورماحكم تأويلان :
أحدهما : " تناله أيديكم " البيض ، ورماحكم : الصيد وهو قول مجاهد .
والثاني : تناله أيديكم صغار الصيد وما ضعف منه ورماحكم كبار الصيد وما قوي منه وهو قول ابن عباس ، والآية تحتمل التأويلين معا ، ثم قال تعالى : ليعلم الله من يخافه بالغيب [ المائدة : 194 ] وفيه تأويلان :
أحدهما : أن معناه لتعلموا أنتم أن الله يعلم من يخافه بالغيب كما قال تعالى : فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين [ سبأ : 14 ] . معناه : تبينت الجن أن الإنس قد علموا أن الجن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في المهين .
والثاني : أن معناه إلا ليعلم علم مشاهدة ونظر ، فهذه الآية تدل على أن الصيد حكما قد ابتلي به الخلق من غير أن يعلم منه تحريم قتله على المحرم ولا إيجاب الجزاء فيه ، ثم يبين سبحانه تحريم قتله وإيجاب الجزاء فيه بقوله تعالى : ياأيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم [ المائدة : 95 ] ، فيستدل بهذه الآية على تحريم قتل الصيد على المحرم وإيجاب الجزاء فيه ، ودل على ذلك قوله تعالى : أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما [ المائدة : 96 ] ، وفي قوله تعالى : وطعامه متاعا لكم تأويلان :
أحدهما : وهو قول ابن عباس وهو ما لفظه البحر .
[ ص: 283 ] والثاني : وهو قول سعيد بن المسيب ما تزود به مملوحا ، وفيه تأويل ثالث حكاه الشافعي - رضي الله عنه - عن بعض أهل التفسير في كتاب " اختلاف أبي حنيفة وابن أبي ليلى " " أن طعامه كل ما فيه " وهذا أعم التأويلين ، فكانت هذه الآية دالة على تحريم قتل الصيد دون إيجاب الجزاء فيه ودل على تحريمه من السنة رواية ابن عباس ؛ قال : أخبرني الصعب بن جثامة قال : بالأبواء - أو بودان - فرده عليه فلما رأى الكراهة في وجهي قال : " إنه ليس منا رد عليك ولكنا حرم " . أهديت لرسول الله صلى الله عليه وسلم لحم حمار وحشي وهو