فصل :
فإذا ثبت للسيد إقامة الحد على عبيده وإمائه ، فالكلام فيه مشتمل على ثلاثة فصول :
أحدها : في السيد الذي يملك إقامة الحدود .
والثاني : فيما يملكه السيد من إقامة الحدود .
والثالث : فيما يجوز للسيد أن يقيم به الحدود .
فأما الفصل الأول وهو : فهو من استكملت فيه أربعة شروط : السيد الذي يملك إقامة الحدود
أحدها : جواز الأمر بالبلوغ والعقل والرشد : لأن من لم ينفذ مرة في حق نفسه ، فأولى أن ينفذ في حق غيره ، فإن كان صغيرا ، أو مجنونا ، أو سفيها لم يملك إقامة الحد ، فإن أقامه أحد هؤلاء كان تعديا منه على عبده ، ولم يسقط الحد بجلده ، وإن كان فاسقا .
ففي جواز إقامته للحد على عبده وجهان :
أحدهما : لا يجوز : لأنه يستحق بولاية تنتفي مع الفسق .
[ ص: 247 ] والثاني : يجوز له إقامته : لأن فسقه لما لم يمنع من إنكاح عبده وأمته لم يمنعه من إقامة الحد عليهما .
والشرط الثاني : أن يكون رجلا : لأن الرجال أحصن بالولايات من النساء . فإن كان امرأة ففيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه لا حق لها فيه ولا لوليها ، ويتولاه الإمام لقصورها عن ولايات الرجال .
والوجه الثاني : أنه يجوز أن يتولاه وليها نيابة عنها ، ولا يجوز أن تباشره بنفسها كالنكاح .
والوجه الثالث : أنها تستحق مباشرة إقامته بنفسها وبمن تستنيبه فيه من ولي وغير ولي : لتفردها بالملك وحقوقه . وقد جلدت فاطمة عليها السلام أمة لها زنت ، وقطعت عائشة رضي الله عنها أمة لها سرقت .
والشرط الثالث : أن يكون تام الملك في كامل الرق ، فإن كان السيد بعضه حر وبعضه مملوك فلا حق له في إقامة الحد : لنقصه بما فيه من الرق ، وكذلك لو كان مدبرا ، أو مخارجا ، أو معتقا نصفه لم يملك إقامة الحد على عبده بجريان أحكام الرق عليه . ولو كان مكاتبا ففي استحقاقه بحد عبده وجهان :
أحدهما : يستحقه : لاستقرار ملكه عليه .
والثاني : لا يستحقه : لنقصه بما يجري عليه من أحكام الرق . ولو كان السيد تام الملك بكمال الحرية ، إلا أن العبد غير تام الرق : لعتق بعضه ورق بعضه لم يستحق إقامة الحد عليه وجها واحدا : لما فيه من الحرية التي لا ولاية له عليها . ، فإن اجتمعا على إقامته جاز . ولو كان العبد بين شريكين لم يجز لأحدهما أن ينفرد بإقامة الحد عليه
والشرط الرابع : أن يكون من أهل العلم بالحدود ، ومن المجتهدين فيه : ليعلم ما يجب فيه ولا يجب ، فإن كان متفقا على وجوبه عمل فيه على الاتفاق من الفقهاء ، وإن كان مختلفا فيه لم يخل رأيه ورأي الإمام من أربعة أحوال :
أحدها : أن يتفقا على وجوبه ، فللسيد أن يتفرد باستيفائه .
والثاني : أن يتفقا على إسقاطه فلا حد .
والثالث : أن يرى الإمام وجوبه والسيد إسقاطه ، فللإمام أن يستوفيه دون السيد .
والرابع : أن يرى السيد وجوبه دون الإمام ، فللسيد أن يستوفيه برأيه ما لم يحكم الإمام بإسقاطه . فإن حكم به منع منه السيد : لأن حكم الإمام أنفذ وأعم ، فإن لم يكن [ ص: 248 ] السيد من أهل العلم بالحدود منع من إقامتها : لأنه لا يعلم وجوبها حتى يرجع فيها إلى من يجوز له العمل بقوله ، فإن رجع إلى حاكم ، جاز أن يعمل على قوله فيما حكم به من وجوب إسقاطه ، ويقوم باستيفاء ما حكم الحاكم بوجوبه . وليس للإمام نقضه ، وإن رجع فيه إلى استيفاء ، وفيه نظر . فإن كان الحد متفقا على وجوبه ، كان للسيد أن يستوفيه بقول من أفتاه . وإن كان مختلفا فيه ففي جواز استيفاء السيد له بفتياه وجهان :
أحدهما : لا يجوز : لأن المختلف فيه لا يتعين إلا بحكم حاكم .
والوجه الثاني : يجوز ، لأن تصرف السيد في عبده أقوى من تصرف الحاكم ، إلا أن يحكم الحاكم بسقوطه فيمنع .