فصل
في
هم كل قريب يخرج عن المذكورين في الفصل السابق . وإن شئت قلت : كل قريب ليس بذي فرض ولا عصبة . وأما تفصيلهم ، فهم ذوي الأرحام : أبو الأم ، وكل جد وجدة ساقطين ، وأولاد البنات ، وبنات الإخوة ، وأولاد الأخوات ، [ ص: 6 ] وبنو الإخوة للأم ، والعم للأم ، وبنات الأعمام ، والعمات ، والأخوال ، والخالات . ومنهم من يعدهم أحد عشر ، ويفصل الجد عن الجدة . ومنهم من يزيد على ذلك ، والمقصود لا يختلف ، فهؤلاء لا يرثون بالرحم شيئا على الصحيح . وقال عشرة أصناف المزني ، وابن سريج : إن لم يخلف الميت إلا ذا فرض لا يستغرق رد الباقي عليه ، إلا الزوج والزوجة فلا رد عليهما . فإن لم يخلف ذا فرض ولا عصبة ، ورث ذوو الأرحام .
وقولنا : إن الصحيح أنهم لا يرثون ولا يرد ، هو فيما إذا استقام أمر بيت المال ، بأن ولي إمام عادل . أما إذا لم يكن إمام ، أو لم يكن مستجمعا لشروط الإمامة ، ففي مال من لا عصبة له ولا ذا فرض مستغرق وجهان : أصحهما عند أبي حامد وصاحب ( المهذب ) : لا يصرف إلى الرد ، ولا إلى ذوي الأرحام ؛ لأنه للمسلمين ، فلا يسقط بفوات نائبهم . والثاني : أنه يرد ويصرف إلى ذوي الأرحام ؛ لأن المال مصروف إليهم أو إلى بيت المال بالإجماع . فإذا تعذر أحدهما تعين الآخر ، وهذا اختيار ، وبه أفتى أكابر المتأخرين . ابن كج
قلت : هذا الثاني ، هو الأصح أو الصحيح عند محققي أصحابنا ، وممن صححه وأفتى به الإمام من كبار أصحابنا ومتقدميهم ، وهو أحد أعلامهم في الفرائض والفقه وغيرهما ، ثم صاحب ( الحاوي ) ، والقاضي أبو الحسن بن سراقة حسين ، والمتولي ، والخبري - بفتح الخاء المعجمة وإسكان الباء الموحدة - وآخرون ، قال : وهو قول عامة مشايخنا . قال : وعليه الفتوى اليوم في الأمصار ، ونقله صاحب ( الحاوي ) عن مذهب ابن سراقة - رضي الله عنه - قال : وغلط الشافعي في مخالفته ، قال : وإنما مذهب الشيخ أبو حامد منعهم إذا استقام بيت المال . - والله أعلم - . الشافعي
[ ص: 7 ] فإن قلنا : لا يصرف إليهم ولا يرد ، فإن كان في يد أمين نظر إن كان في البلد قاض بشروط القضاء مأذون له في التصرف في مال المصالح دفع إليه ليصرفه فيها . وإن لم يكن قاض بشرطه صرفه الأمين بنفسه إلى المصالح ، وإن كان قاض بشرطه غير مأذون له في التصرف في مال المصالح فهل يدفعه إليه ، أم يفرقه الأمين بنفسه ، أم يوقف إلى أن يظهر بيت المال ومن يقوم بشرطه ؟ فيه ثلاثة أوجه .
قلت : الثالث ضعيف والأولان حسنان . وأصحهما : الأول . ولو قيل : يتخير بينهما لكان حسنا ، بل هو عندي أرجح . - والله أعلم - .
وعلى الثاني وقوف مساجد القرى ، يصرفها صلحاء القرية في عمارة المسجد ومصالحه . أما إذا لم يكن في يد أمين ، فيدفع إليه ليفرقه . وإذا قلنا بالصرف إلى ذوي الأرحام ، فوجهان : أحدهما نقله : أنه يصرف إلى الفقراء منهم يقدم الأحوج فالأحوج . والصحيح الذي عليه الجمهور : يصرف إلى جميعهم . وهل هو إرث ، أم شيء مصلحي ؟ فيه وجهان : أشبههما بأصل المذهب : أنه على سبيل المصلحة ، واختاره ابن كج الروياني ، قال : ويصرف إليهم إن كانوا محتاجين ، أو إلى غيره من أنواع المصالح . فإن خيف على رأس المال من حاكم الزمان ، صرف إلى الأصلح بقول مفتي البلدة .
قلت : الصحيح الذي عليه جمهور من قال من أصحابنا بتوريث ذوي الأرحام : أنه يصرف إلى جميعهم على سبيل الميراث ، على تفصيل يأتي - إن شاء الله تعالى - في الباب الثامن في كيفية توريثهم والرد . - والله أعلم - .
[ ص: 8 ]