الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        السبب الخامس : التقصير في دفع المهلكات ، فيجب على المودع دفع المهلكات على المعتاد . فلو أودعه ، فله أحوال :

                                                                                                                                                                        أحدها : أن يأمره بالعلف والسقي ، فعليه رعاية المأمور . فإن امتنع حتى مضت مدة يموت مثلها في مثلها ، فإن ماتت ، ضمنها ، وإلا فقد دخلت في ضمانه . وإن نقصت ، ضمن نصفها . وتختلف المدة باختلاف الحيوانات . وإن ماتت قبل مضي هذه المدة ، لم يضمن ، إن لم يكن بها جوع وعطش سابق . وإن كان وهو عالم به ، ضمن ، وإلا فلا على الأصح . فإن ضمناه ، فيضمن الجميع ، أم بالقسط ؟ وجهان ، كما لو استأجر بهيمة فحملها أكثر مما شرط .

                                                                                                                                                                        الثانية : أن ينهاه عن العلف والسقي ، فيعصي إن ضيعها لحرمة الروح . والصحيح الذي قاله الجمهور ، أنه لا ضمان ، وضمنه الإصطخري .

                                                                                                                                                                        الثالثة : أن لا يأمره ولا ينهاه ، فيلزم القيام بهما ؛ لأنه التزم حفظها . ثم الكلام في أمرين . أحدهما : المودع لا يلزمه العلف من ماله ، فإن دفع إليه المالك علفها ، فذاك . ولو قال : اعلفها من مالك ، فهو كقوله : اقض ديني . والأصح الرجوع عليه . فإن لم يذكر شيئا ، راجع المالك أو وكيله ليستردها ، أو يعطي علفها . فإن لم يظفر بهما ، رفع الأمر إلى الحاكم ليقترض عليه ، أو يبيع جزءا منها ، أو يؤجرها ويصرف الأجرة في مؤنتها . والقول فيه وفي تفاريعه ، كما سبق في هرب الجمال وعلف الضالة ونفقة اللقيط ونحوها .

                                                                                                                                                                        [ ص: 333 ] الأمر الثاني : إن علفها وسقاها في داره ، أو اصطبله ، حيث تعلف وتسقى دوابه . فقد وفى بالحفظ . وإن أخرجها من الموضع ، فإن كان يفعل كذلك مع دوابه لضيق وغيره ، فلا ضمان . وإن كان ليسقي دوابه فيه ، فقد قال الشافعي - رضي الله عنه - في المختصر : وإن أخرجها إلى غير داره وهو يسقي في داره ، ضمن . وقال الإصطخري بظاهره وأطلق وجوب الضمان .

                                                                                                                                                                        وقالت طائفة . هذا إذا كان الموضع أحرز . فإن تساويا ، فلا ضمان . وقال أبو إسحاق وآخرون : هذا إذا كان في الإخراج خوف . فإن لم يكن ، لم يضمن ، لاطراد العادة ، وهذا هو الأصح . ثم إن تولى السقي والعلف بنفسه - أو أمر به صاحبه وغلامه وهو حاضر لم تزل يده - فذاك ، وإن بعثها على يد صاحبه ليسقيها ، أو أمره بعلفها وأخرجها من يده ، فإن لم يكن صاحبها أمينا ، ضمن ، وإلا فلا على الأصح ، للعادة . قال في ( ( الوسيط ) ) : والوجهان فيمن يتولى بنفسه في العادة ، فأما غيره ، فلا يضمن قطعا .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        إذا كان النهي عن العلف لعلة تقتضيه ، كالقولنج ، فعلفها قبل زوال العلة فماتت ، ضمن .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        العبد المودوع ، كالبهيمة في الأحوال المذكورة . ولو أودعه نخيلا ، فوجهان . أحدهما : سقيها كسقي الدابة . والثاني : لا يضمن بترك السقي إذا لم يأمره به .

                                                                                                                                                                        [ ص: 334 ] فرع

                                                                                                                                                                        ثياب الصوف التي يفسدها الدود ، يجب على المودع نشرها وتعريضها للريح . بل يلزمه لبسها إذا لم يندفع إلا بأن تلبس وتعبق بها رائحة الآدمي ، فإن لم يفعل ففسدت ، ضمن ، سواء أمره المالك أو سكت . فإن نهاه عنه ، فامتنع حتى فسدت ، كره ولا يضمن . وأشار في التتمة إلى أنه يجيء فيه وجه الإصطخري . ولو كان الثوب في صندوق مقفل ، ففتح القفل ليخرجه وينشره ، قال البغوي : لا يضمن على الأصح . هذا كله إذا علم المودع . فإن لم يعلم ، بأن كان في صندوق أو كيس مشدود ولم يعلمه المالك ، فلا ضمان .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية