الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        المسألة السادسة : الوصية بالحج .

                                                                                                                                                                        الحج ضربان ، متطوع به ، ومفروض .

                                                                                                                                                                        فالتطوع تصح الوصية به على الأظهر تفريعا على صحة النيابة فيه .

                                                                                                                                                                        ثم هو محسوب من الثلث ، ويحج عنه من بلده إن قيد به ، ومن الميقات إن قيد به .

                                                                                                                                                                        فإن أطلق ، فعلى أيهما يحمل ؟ وجهان .

                                                                                                                                                                        أصحهما : من الميقات ، وإليه ميل أكثرهم .

                                                                                                                                                                        وهل يقدم حج التطوع [ ص: 196 ] في الثلث على سائر الوصايا ؟ قال القفال : هو على القولين في تقديم العتق على غيره من الوصايا .

                                                                                                                                                                        قال الشيخ أبو علي : لم أر هذا لأحد من الأصحاب ، بل جعلوا الوصية به مع غيره على الخلاف فيما إذا اجتمع حق الله تعالى وحقوق الآدميين .

                                                                                                                                                                        وإذا لم يف الثلث ، أو حصة الحج منه بالحج ، بطلت الوصية ، وكذا لو قال : أحجوا عني بمائة من ثلثي ولم يمكن أن يحج بها .

                                                                                                                                                                        ولو قال : أحجوا عني بثلثي ، صرف ثلثه إلى ما يمكن من حجتين وثلاث فصاعدا .

                                                                                                                                                                        فإن فضل ما لا يمكن أن يحج به ، فهو للورثة .

                                                                                                                                                                        ولو قال : أحجوا عني بثلثي حجة ، صرف ثلثه إلى حجة واحدة .

                                                                                                                                                                        فإن كان الثلث أجرة المثل فما دونها ، جاز أن يكون الأجير أجنبيا ووارثا .

                                                                                                                                                                        وإن كان أكثر ، لم يستأجر إلا أجنبي ; لأن الزيادة محاباة [ فلا تجوز للوارث ] .

                                                                                                                                                                        الضرب الثاني : المفروض ، وهو حجة الإسلام وغيرها .

                                                                                                                                                                        أما حجة الإسلام ، فمن مات وهي في ذمته ، قضيت من رأس ماله وإن لم يوص بها ، كالزكاة ، وسائر الديون .

                                                                                                                                                                        وإن أوصى بها نظر ، إن أضافها إلى رأس المال ، فهي تأكيد .

                                                                                                                                                                        وإن أضاف إلى الثلث ، قضيت منه ، كما لو أوصى بقضاء دينه من ثلثه .

                                                                                                                                                                        وتتضمن هذه الوصية ترفيه الورثة بتوفير الثلثين .

                                                                                                                                                                        وفي تقديم الحج على سائر الوصايا وجهان - وقال الشيخ أبو علي : قولان - يجريان فيما لو أوصى بقضاء دينه من الثلث .

                                                                                                                                                                        أحدهما : يقدم ، كما لو لم يوص فإنه يقدم ، وأصحهما : لا يقدم ، بل يزاحمها بالمضاربة ; لأنه وصية .

                                                                                                                                                                        ثم إن لم يف الثلث بالحج على الوجه الأول ، أو الحاصل من المضاربة على الثاني ، كمل من رأس المال ، كما لو قال : اقضوا ديني من ثلثي فلم يوف الثلث به ، وحينئذ تدور المسألة ، وسنوضح مثالها قريبا إن شاء الله تعالى .

                                                                                                                                                                        وإن أطلق ، فلم يضف إلى الثلث ، ولا إلى رأس المال ، حج عنه من رأس المال على المذهب ، وبه قطع الجمهور ، سواء قرن به ما يعتبر من الثلث ، [ أم لا ] ، وقيل : [ ص: 197 ] قولان .

                                                                                                                                                                        ثانيهما : أنه من الثلث .

                                                                                                                                                                        وقيل : إن قرن ، فمن الثلث ، وإلا ، فمن رأس المال .

                                                                                                                                                                        ثم متى جعلنا الحج من رأس المال ، حج عنه من الميقات ; لأنه لو كان حيا ، لم يلزمه إلا هذا .

                                                                                                                                                                        وإذا جعلناه من الثلث ، إما لتصريحه ، وإما عند الإطلاق ، فوجهان .

                                                                                                                                                                        أصحهما : من الميقات أيضا .

                                                                                                                                                                        فعلى هذا ، لو أوصى أن يحج عنه من بلده ، فلم يبلغ ثلثه حجة من بلده ، حج من حيث أمكن .

                                                                                                                                                                        وإن لم يبلغ الحج من الميقات ، تمم من رأس المال ما يتم به الحج من الميقات .

                                                                                                                                                                        والثاني : من بلده .

                                                                                                                                                                        فعلى هذا قال أبو إسحاق : إن أوصى بالحج من الثلث ، فجميعه من الثلث .

                                                                                                                                                                        فإن أطلق ، وجعلناه من الثلث ، فالذي من الثلث مؤنة ما بين البلد إلى الميقات .

                                                                                                                                                                        فأما من الميقات ، فهو من رأس المال .

                                                                                                                                                                        وأما الحجة المنذورة ، ففيها وجهان .

                                                                                                                                                                        أصحهما : أنها كحجة الإسلام ، إلا أن هاهنا وجها أنها إذا لم يوص بها ، قضيت من الثلث ، وهو شاذ .

                                                                                                                                                                        والثاني : كالتطوعات ، لأنها لا تلزم بأصل الشرع .

                                                                                                                                                                        فعلى هذا ، إن لم يوص بها ، لم تقض .

                                                                                                                                                                        وإن أوصى بها ، كانت من الثلث .

                                                                                                                                                                        ويجري الخلاف في الصدقة المنذورة والكفارات .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية