الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        السبب الثالث : الحمل ونعني به كل حمل لو كان منفصلا لورث منه ، إما مطلقا ، وإما على تقدير . وهذا الحمل ، قد يكون من الميت ويرث لا محالة ، وقد يكون من غيره ، كما إذا كانت أمه حاملا من غير أبيه ، أو من أبيه والأب ميت ، أو ممنوع برق ونحوه ، وكذا زوجة ابنه أو أخيه أو جده والحمل من غيره ، قد لا يرث إلا على تقدير الذكورة ، كحمل امرأة الأخ والجد ، وقد لا يرث إلا على تقدير الأنوثة كما إذا ماتت عن زوج وأخت لأبوين وحمل من الأب ، وفيه فصلان .

                                                                                                                                                                        [ الفصل ] الأول : فيما بعد الانفصال ، وإنما يرث بشرطين .

                                                                                                                                                                        أحدهما : أن يعلم وجوده عند الموت فإذا كان الحمل منه ، وانفصل لما بين موته وبين أكثر مدة الحمل ورث لثبوت نسبه ، وإن انفصل لما بعد ذلك ، لم يرث . [ ص: 37 ] وإن كان من غيره نظر إن لم يكن لها زوج يطؤها ، فالحكم كما لو كان منه قطعا . وإن كان زوج يطؤها ، فإن انفصل قبل تمام ستة أشهر من وقت الموت ، فقد علم وجوده حينئذ . وإن انفصل لستة أشهر فأكثر ، لم يرث ، لاحتمال أن العلوق حصل بعده إلا أن يعترف جميع الورثة بوجوده عند الموت . وإذا مات حر عن أب رقيق تحته حرة حامل ، فإن ولدت قبل ستة أشهر من يوم الموت ورث المولود من أخيه ؛ لأن الأب رقيق لا يحجبه . وإن ولدت لستة أشهر فصاعدا لم يرث لاحتمال حدوث العلوق بعد الموت إلا أن يتفقوا على وجوده يومئذ ، وينبغي أن يمسك الأب عن الوطء حتى يظهر الحال . قال الإمام : ولا يحرم الوطء .

                                                                                                                                                                        الشرط الثاني : أن ينفصل حيا ، فإن انفصل ميتا ، فكأن لا حمل ، سواء كان يتحرك في البطن أم لا ، وسواء انفصل ميتا بنفسه أو بجناية وإن كانت الجناية توجب الغرة ، وتصرف الغرة إلى ورثة الجنين ؛ لأن إيجاب الغرة لا يتعين له تقدير الحياة ، ألا ترى إلى قول الأصحاب : الغرة إنما وجبت لدفع الجاني الحياة مع تهيؤ الجنين لها ، وبتقدير أن يكون وجوب الغرة بتقدير الحياة ، فالحياة مقدرة في حق الجاني فقط تغليظا ، فتقدر في توريث الغرة فقط . واعلم أنه تشترط الحياة عند تمام الانفصال . فلو خرج بعضه حيا ، ومات قبل تمام الانفصال ، فهو كما لو خرج ميتا في الإرث وسائر الأحكام . حتى لو ضرب بطنها بعد خروج بعضه ، وانفصل ميتا ، فالواجب الغرة دون الدية . هذا هو الصحيح الذي عليه الجماهير . وعن القفال وغيره : [ أنه ] إذا خرج بعضه حيا ، ورث وإن انفصل ميتا ، وبه قال أبو خلف الطبري من أصحابنا . ولو مات عقب انفصاله حيا حياة مستقرة ، ورث ، ونصيبه لورثته . وتعلم الحياة المستقرة : بصراخه ، وكذا بالبكاء ، أو العطاس ، أو التثاؤب ، أو امتصاص الثدي ، لدلالتها على الحياة . وحكى الإمام اختلاف قول في الحركة والاختلاج ، ثم قال : [ ص: 38 ] وليس موضع القولين ما إذا قبض اليد وبسطها - فإن هذه الحركة تدل على الحياة قطعا - ولا الاختلاج الذي يقع مثله لانضغاط وتقلص عصب فيما أظن ، وإنما الاختلاف فيما بين هاتين الحركتين . والظاهر : كيفما قدر الخلاف : أن ما لا تعلم به الحياة ، ويمكن أن يكون مثله لانتشار بسبب الخروج من المضيق أو لاستواء عن التواء ، فلا عبرة به كما لا عبرة بحركة المذبوح .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        لو ذبح رجل ، فمات أبوه وهو يتحرك ، لم يرثه المذبوح على الصحيح . وحكى الروياني وجها : أنه يرث . وحكى الحناطي قريبا منه عن المزني .

                                                                                                                                                                        قلت : هذا الوجه غلط ظاهر ، فإن أصحابنا قالوا : من صار في حال النزع ، فله حكم الميت ، فكيف الظن بالمذبوح - والله أعلم - .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية