[ ص: 304 ] الباب الثالث في
يجوز الرجوع عن الوصية وعن بعضها ، كمن أوصى بعبد ثم رجع عن نصفه ، ويجوز الرجوع في كل تبرع معلق بالموت ، كقوله : إذا مت فلفلان كذا ، أو فادفعوا إليه ، أو فأعتقوا عبدي ، أو فهو وقف . الرجوع عن الوصية
وفي الرجوع عن التدبير صريحا خلاف ، يذكر في بابه إن شاء الله تعالى ، ولا يصح الرجوع عن التبرعات المنجزة في مرض الموت .
فصل
يحصل الرجوع بطرق : منها أن يقول : . ولو سئل عن الوصية فأنكرها ، فهو رجوع . ولو قال : لا أدري ، فليس برجوع . ولو قال : هو حرام على الموصى له ، فرجوع على المذهب . ولو قال : هذا لوارثي بعد موتي ، أو هو ميراث عني ، فرجوع . ولو قال : هو تركتي ، فليس برجوع على الأصح . نقضت وصيتي ، أو أبطلتها ، أو رددتها ، أو رفعتها ، أو فسختها ، أو رجعت عنها
ومنها : إزالة الملك عن الموصى به ببيع أو إعتاق ، أو صداق ، أو جعله أجرة ، أو عوض خلع ، فهو رجوع . والهبة مع الإقباض رجوع ، ودونه أيضا على الأصح . والرهن كالهبة . وقيل : ليس برجوع ، لأنه لا يزيل الملك ، فأشبه الاستخدام . والكتابة رجوع ، والتدبير رجوع على المذهب ، وقيل : إن جعلناه وصية ، فهو كما لو أوصى به لزيد ثم عمرو ، فيكون نصفه مدبرا .
ولو ، فالصحيح المنصوص : أنه رجوع ، وقيل : هو كما لو أوصى لزيد ثم عمرو . وذكر صاحب : ( ( المعتمد ) ) [ ص: 305 ] الوجهين ، فيما لو أوصى بعبد لرجل ، ثم أوصى بعتقه ، ففي وجه : يعتق وتبطل الوصية الأولى . وفي وجه : يعتق نصفه ، ويدفع إلى الموصى له نصفه . أوصى بالبيع أو غيره مما هو رجوع
ولو أوصى بعتقه ، ثم أوصى به لرجل ، فالقياس أنه يصرف إلى الموصى له على الأول ، وأن ينصف على الثاني ، لكنه قال : أحدهما : يتعين [ العتق ] ، وتبطل الوصية الثانية . والثاني : التنصيف ، والتوكيل بالتصرفات المذكورة كالوصية بها ، والاستيلاد رجوع .
ولو ، قال أقر بأن العبد الموصى به مغصوب أو حر الأصل ، أو قال : كنت أعتقته الأستاذ أبو منصور : تبطل الوصية ، وذكر أنه لو باعه ثم فسخ بخيار المجلس ، فإن قلنا : الملك يزول بنفس العقد حصل الرجوع . وإن قلنا : يحصل بانقطاع الخيار ، فلا ، ولك أن تقول : هو على كل حال أقوى من الرهن والهبة قبل القبض . فإذا كان الأصح فيهما حصول الرجوع ، فهنا أولى ، وتعليق العتق رجوع ، قاله العبادي في ( ( الرقم ) ) ، ويشبه أن يجيء فيه الخلاف فيما لا يزيل الملك .
فرع
، فوجهان . أحدهما : أنه رجوع عن الأولى ، فتصح وصية عمرو ، كما لو وهب لزيد مالا ثم وهبه قبل القبض لعمرو . والصحيح المنصوص أنه ليس برجوع ؛ لاحتمال إرادة التشريك ، فيشرك بينهما ، كما لو قال دفعة واحدة : أوصيت لكما ، قال الأصحاب : ولو قال : أوصيت به لكما ، فرد أحدهما ، لم يكن للآخر إلا نصفه ؛ لأنه لم يوجب له إلا النصف . أوصى بعين لزيد ، ثم أوصى بها لعمرو
ولو أوصى به لزيد ، ثم أوصى به لعمرو ، فرد أحدهما ، كان للآخر الجميع . ولو أوصى به لأحدهما ، ثم أوصى [ ص: 306 ] بنصفه للآخر ، فإن قبلاه ، فثلثاه للأول ، وثلثه للثاني . وإن رد الأول ، فنصفه للثاني . وإن رد الثاني ، فكله للأول .
فرع
، أو قال لعمرو : أوصيت لك بالعبد الذي أوصيت به لزيد ، فهو رجوع على الصحيح ، لإشعاره به . وقيل : ليس برجوع كالصورة السابقة . والفرق على الصحيح ، أن هناك يجوز أنه نسي الوصية الأولى ، فاستصحبناها بقدر الإمكان ، وهنا بخلافه . قال : الذي أوصيت به لزيد ، قد أوصيت به لعمرو
ولو ، جعل الثمن بين الجهتين ؛ لأن الوصيتين متفقتان على البيع ، وأن الزحمة في الثمن . ولو أوصى له بدار ، أو بخاتم ، ثم أوصى بأبنية الدار ، أو بفص الخاتم لآخر ، فالدار والخاتم للأول ، والأبنية والفص بينهما تفريعا على الصحيح المنصوص . أوصى ببيعه وصرف ثمنه إلى الفقراء ، ثم قال : بيعوه واصرفوا ثمنه إلى الرقاب
ولو أوصى له بدار ، ثم أوصى لآخر بسكناها ، أو بعبد ، ثم أوصى بخدمته لآخر ، نقل الأستاذ أبو منصور أن الرقبة للأول ، والمنفعة للثاني ، وكان يحتمل أن يشتركا في المنفعة كالأبنية والفص .
فرع
هذا كله في الوصية بمعين ، فإذا ، لم يكن رجوعا . وكذلك لو هلك جميع ماله ، لم تبطل الوصية ؛ لأن ثلث المال مطلقا لا يختص بما عنده من المال حال الوصية ، بل المعتبر ما يملكه عند الموت زاد أم نقص أم تبدل . أوصى بثلث ماله ، ثم تصرف في جميع ما يملكه ببيع أو إعتاق أو غيرهما
[ ص: 307 ] فرع
التوسل إلى أمر يحصل به الرجوع ، كالعرض على البيع والهبة والرهن ، رجوع على الأصح . ويجري الوجهان في مجرد الإيجاب في الرهن والهبة والبيع .
فرع
، بطلت الوصية ، وكان ما أتى به رجوعا لمعنيين . أحدهما : زوال الاسم . والثاني : إشعاره بإعراضه عن الوصية . ونسب أوصى بحنطة فطحنها ، أو جعلها سويقا ، أو بذرها ، أو بدقيق فعجنه المعنى الأول إلى الشيخ أبو حامد - رحمه الله - ، والثاني إلى أبي إسحاق . الشافعي
فلو حصلت هذه الأحوال بغير إذن الموصي ، فقياس المعنى الأول بطلان الوصية ، وقياس الثاني بقاؤها ، ونقل بعضهم وجهين في بعضها ، والباقي ملحق به ، وألحقوا بهذه الصور ما إذا أوصى بشاة فذبحها ، أو بعجين فخبزه ، لكن خبز العجين ينبغي أن لا يلحق بعجن الدقيق ، فإن العجين يفسد لو ترك ، فلعله قصد إصلاحه وحفظه على الموصى له ، وألحق العبادي في ( ( الرقم ) ) بها ما إذا أوصى بجلد فدبغه ، أو بيض فأحضنه دجاجة ، ولك أن تقول : قياس المعنى الأول أن لا يكون الدبغ رجوعا ، لبقاء الاسم ، وكذا الإحضان إلى أن يتفرخ .
ولو ، فرجوع على الأصح كما لو ثرده . ويجري الوجهان فيما لو أوصى بلحم ثم قدده . ولو طبخه أو شواه ، فرجوع قطعا . ولو أوصى برطب فتمره ، فوجهان . الأشبه أنه ليس برجوع ، وكذا تقديد اللحم إذا تعرض للفساد . ولو أوصى بقطن فغزله ، فرجوع ، أو بغزل فنسجه ، فرجوع على الصحيح . ولو حشا بالقطن فراشا أو جبة ، فرجوع على الأصح . أوصى بخبز فجعله فتيتا
[ ص: 308 ] فرع
، فهو رجوع في الأخشاب والنقض ، وكذا في العرصة على الأصح . ولو انهدمت بطلت الوصية في النقض على الصحيح ، لزوال اسم الدار ، وتبقى في العرصة على الصحيح ، لأنه لم يوجد منه فعل . وإن كان الانهدام بحيث لا يبطل اسم الدار بقيت الوصية فيما بقي بحاله . وفي المنفصل وجهان . وإذا قلنا في الانهدام : تبطل الوصية في النقض ، فكان الانهدام بعد الموت وقبل القبول ، فطريقان : أحدهما : تخريجه على أقوال الملك . وأصحهما : القطع بأنه للموصى له ؛ لأن الوصية تستقر بالموت وكان اسم الدار باقيا يومئذ . أوصى بدار فهدمها حتى بطل اسم الدار
فرع
، فرجوع على الأصح ، وغسله ليس برجوع . ولو قصره وقلنا : القصارة أثر ، فكالغسل . وإن قلنا : عين ، فكالصبغ . ولو أوصى بثوب مقطوع فخاطه ، فليس برجوع ، واتخاذ الباب من الخشب الموصى به كاتخاذ القميص من الثوب . أوصى بثوب فقطعه قميصا ، أو صبغه
فرع
، فليس برجوع على الأصح ، ويشبه أن يكون الخلاف مخصوصا بما إذا أشعر التبعيد بتغير القصد . فأما إذا أوصى صحيح البدن بدابة ، ثم أركبها غلامه ، أو حمل عليها إلى مكان بعيد ، فلا إشعار . أوصى بشيء ، ثم نقله من بلد الموصى له إلى مكان بعيد
[ ص: 309 ] فرع
، فرجوع . قال أوصى بصاع حنطة بعينه ، ثم خلطه بحنطة أبو زيد : إن خلطه بأجود ، فرجوع ، وإلا فلا . والأول هو الصحيح المنصوص . ولو أوصى بصاع من صبرة ، ثم خلطها بمثلها ، فليس برجوع ؛ لأن الموصى به كان مخلوطا شائعا ، فلا تضر زيادة الخلط . وإن خلط بأجود ، فرجوع ، وبالأردإ ، ليس برجوع على الأصح . ولو اختلطت بنفسها بالأجود ، فعلى الخلاف السابق في نظائره . وإذا أبقينا الوصية ، فالزيادة الحاصلة بالجودة غير متميزة ، فتدخل في الوصية .
ولو ، فلا أثر للخلط ، ويعطيه الوارث مما شاء من حنطة التركة . ولو وصفها وقال : من حنطتي الفلانية ، فالوصف مرعي . فإن بطل بالخلط ، بطلت الوصية . وإن قال : من مالي ، حصله الوارث . أوصى بصاع من حنطة ، ولم يعين الصاع ، ولا وصف الحنطة
فرع
، فإن مات بعد انقضاء مدة الإجارة ، فالوصية بحالها . وإن مات قبله ، فوجهان : أصحهما : أنه إن انقضت مدة الإجارة قبل سنة من يوم الموت ، كانت المنفعة بقية السنة للموصى له ، وتبطل الوصية فيما مضى . وإن انقضت بعد سنة من يوم الموت ، بطلت الوصية ؛ لأن المستحق للموصى له منفعة السنة الأولى ، فإذا انصرفت إلى جهة ، بطلت الوصية . أوصى بمنفعة عبد أو دار سنة ، ثم أجر الموصى به سنة مثلا
والثاني : أنه يستأنف للموصى له سنة من يوم انقضاء الإجارة ، فإن كان الموصي قيد وصيته بالسنة الأولى ، وجب أنه لا يجيء الخلاف . ولو لم يسلم الوارث حتى انقضت سنة بلا عذر ، فمقتضى الوجه الأول أنه يغرم قيمة المنفعة ، ومقتضى الثاني تسليم سنة أخرى .
[ ص: 310 ] فرع
، والإعارة ، والإذن في التجارة ، والاستخدام ، وركوب الدابة ، ولبس الثوب ، ليس برجوع ، ووطء الجارية مع العزل ، ليس برجوع ، وكذا مع الإنزال على الصحيح وقول الأكثرين . وقال تزويج العبد والأمة الموصى بهما ، وإجارتهما ، وختانهما ، وتعليمهما ابن الحداد : رجوع .
فرع
، فليس برجوع كلبس الثوب . ولو بنى فيها أو غرس ، فرجوع على الأصح . فإن لم نجعله رجوعا ، فموضع البناء والغراس هل هو كالبياض المتخلل حتى يأخذه الموصى له إن زال البناء والغراس يوما ؟ أم تبطل الوصية فيه تبعا للبناء ؟ فيه وجهان . أوصى بعرصة ثم زرعها
ومطلق عمارة الدار ، ليس برجوع . فإن بطل الاسم ، بأن جعلها خانا ، فرجوع . وإن لم يبطل ، ولكن أحدث فيها بناء وبابا من عنده ، فعلى الوجهين فيما لو بنى في الأرض . فإن لم نجعله رجوعا ، فالبناء الجديد لا يدخل في الوصية على الصحيح .
فصل
، فله المائتان . وإن أطلق إحداهما ، حملت المطلقة على المعينة ، وكذا لو أطلقها ، لم يكن له إلا مائة . ولو أوصى بخمسين ، ثم بمائة ، فله مائة . ولو أوصى بمائة ، ثم بخمسين ، فوجهان . أصحهما : ليس له إلا خمسون . والثاني : له مائة وخمسون . أوصى بمائة معينة ، ثم بمائة معينة