وبعد تصفية القلب عن كدورة الالتفات إلى الخلق يفيض عليه نور اليقين وينكشف له مبادي الحق ، وإنكار ذلك دون التجربة وسلوك الطريق يجري مجرى إنكار من أنكر إمكان انكشاف الصورة في الحديدة إذا شكلت ونقيت وصقلت وصورت بصورة المرأة فنظر المنكر إلى ما في يده من زبرة حديد مظلم قد استولى عليه الصدأ والخبث ، وهو لا يحكي صورة من الصور ، فأنكر إمكان انكشاف المرئي فيها عند ظهور جوهرها وإنكار ذلك غاية الجهل والضلال .
فهذا إذ لا مستند له إلا قصوره عن ذلك ، وقصور من رآه ، وبئس المستند ذلك في إنكار قدرة الله تعالى ، بل إنما يشم روائح المكاشفة من سلك شيئا ولو من مبادي الطريق كما قيل لبشر بأي شيء بلغت هذه المنزلة قال : كنت أكاتم الله تعالى حالي معناه أسأله أن يكتم علي ويخفي أمري . حكم كل من أنكر كرامات الأولياء
وروي أنه رأى الخضر عليه السلام : فقال له : ادع الله تعالى لي . فقال : يسر الله عليك طاعته . قلت : زدني . قال : وسترها عليك .
فقيل : معناه سترها عن الخلق وقيل : معناه سترها عنك حتى لا تلتفت أنت إليها .
وعن بعضهم أنه قال : أقلقني الشوق إلى الخضر عليه السلام فسألت الله تعالى مرة أن يريني إياه ليعلمني شيئا كان أهم الأشياء علي . قال : فرأيته فما غلب علي همي ولا همتي إلا أن قلت له يا أبا العباس علمني شيئا إذا قلته حجبت عن قلوب الخليقة ، فلم يكن لي فيها قدر ولا يعرفني أحد بصلاح ولا ديانة . فقال : قل : اللهم أسبل علي كثيف سترك ، وحط علي سرادقات حجبك ، واجعلني في مكنون غيبك ، واحجبني عن قلوب خلقك . قال : ثم غاب فلم أره ، ولم أشتق إليه بعد ذلك ، فما زلت أقول هذه الكلمات في كل يوم ، فحكي أنه صار بحيث كان يستذل ويمتهن حتى كان أهل الذمة يسخرون منه ويستسخرونه في الطرق يحمل الأشياء لهم لسقوطه عندهم ، وكان الصبيان يلعبون به فكانت راحته ركود قلبه واستقامة حاله في ذله وخموله .
فهكذا حال أولياء الله تعالى ، ففي أمثال هؤلاء ينبغي أن يطلبوا ، والمغرورون إنما يطلبونهم تحت المرقعات والطيالسة وفي المشهورين بين الخلق بالعلم والورع والرياسة ، وغيرة الله تعالى على أوليائه تأبى إلا إخفاءهم كما قال تعالى . أوليائي تحت قبابي لا يعرفهم غيري
وقال : صلى الله عليه وسلم رب أشعث أغبر ذي طمرين لا يؤبه له ، لو أقسم على الله لأبره .