الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وهي إعتاق رقبة [ ص: 247 ] لا جنين وعتق بعد وضعه ، ومنقطع خبره مؤمنة ،

التالي السابق


( وهي ) أي الكفارة ثلاثة أنواع مرتبة أولها ( إعتاق رقبة ) أي ذات . ابن عرفة كفارته المعروف انحصارها في العتق ثم الصوم إن تعذر ثم الإطعام إن تعذر . الباجي في النوادر من كسا وأطعم عن كفارة واحدة فقال ابن القاسم في الأسدية لا يجزيه ، وفي [ ص: 247 ] المجالس يجزيه . وقال أشهب : لا يجزيه ، وفي الموازية من ظاهر من أربع نسوة فأطعم لواحدة ستين مسكينا وكسا لأخرى كذلك ثم وجد العتق فأعتق عن واحدة غير معينة ولم يقدر على رقبة الرابعة فليطعم أو يكس ويجزيه . الشيخ انظر قول محمد في الكسوة ما عرفته لغيره .

قلت : نقل ابن القطان عن نوادر الإجماع : أجمعوا أن المظاهر إذا لم يجد الرقبة ولم يطق الصوم ولم يجد الطعام لا يطؤها حتى يجد واحدا من تلك الأصناف ا هـ .

فظاهره إجماعهم على لغو الكسوة فيها ، وما ذكره الباجي عن النوادر أولا غير مناسب لأنه لم ينص فيه على أنها للظهار ، ولذا لم ينقلها الشيخ في نوادره ، وإنما نقل فيه ما تقدم عن الموازية فقط ( لا ) يجزئ إعتاق ( جنين ) لأنه لا يسمى رقبة .

واستأنف استئنافا بيانيا فقال ( و ) إن أعتق جنينا ( عتق ) بفتحات مخففا ، أي صار الجنين حرا ( بعد وضعه ) لتشوف الشارع للحرية ، أي نفذ العتق السابق فيه لا أنه يحتاج لاستئناف عتق الآن . ابن عبد السلام قول ابن الحاجب لو أعتق جنينا عتق ولم يجزه أقرب من قولها يعتق بعد إذا وضعته لأن ظاهر كلامه أنه يعتق حين عتقه ، وعبارتها تدل على أن عتقه حين وضعه فيقال على هذا إذا وضعته صار رقبة وعتقه حينئذ عن الكفارة فيجزيه ، ولكن لا يخفى عليك الجواب عن هذا .

( ولا ) يجزئ إعتاق رقيق غائب عن المظاهر ( منقطع خبره ) لا يدري أحي هو أو ميت ، وعلى تقدير حياته أسلم أم لا لأنه ليس رقبة محققة ، فإن علم ولو بعد عتقه أنه كان بصفة من يعتق عن الظهار أجزأ ، بخلاف الجنين فلا يجزئ ولو ولد بصفة من بعد لأنه لم يكن رقبة حين عتقه ووصف رقبة ب ( مؤمنة ) ابن يونس لما ذكر الله سبحانه وتعالى في كفارة القتل مؤمنة كان كذلك في كفارة الظهار وغيره من الكفارات حملا للمطلق على المقيد ولأن القصد القربة والكفر ينافيها . وفي حديث السوداء ما دل على ذلك إذ قال سيدها للنبي صلى الله عليه وسلم علي رقبة أفأعتقها ولم يذكر إذا لزمته ا هـ . أبو الحسن وترك الاستفسار في حكاية الأحوال مع الاحتمال ينزل منزلة العموم في [ ص: 248 ] المقال ، ثم قال ابن يونس : فلم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بعتقها حتى سألها أين الله فقالت : في السماء ، فقال لها من أنا قالت : رسول الله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أعتقها فإنها مؤمنة ، وقولها في " في السماء " أي العلو والارتفاع المعنوي تعالى الله عن صفات الحوادث .

وقوله عليه الصلاة والسلام أين الله من المتشابه ، لأن الله تعالى لا يسأل عنه بأين وله تأويلات .

ولأبي القاسم السهيلي عليه كلام حسن منه السؤال بأين ثلاثة أقسام ، اثنان جائزان في حقه تعالى وواحد لا يجوز الأول : السؤال بقصد اختبار المسئول لمعرفة علمه وإيمانه كسؤاله صلى الله عليه وسلم الأمة .

الثاني : السؤال عن مستقر ملكوت الله تعالى وموضع سلطانه كعرشه وكرسيه وملائكته ، كسؤال القائل لرسول الله صلى الله عليه وسلم { أين كان ربنا قبل خلقه العالم قال صلى الله عليه وسلم : كان في عماء ما فوقه هواء ، وما تحته هواء } .

فهذا السؤال فيه حذف ، وإنما سأل عن مستقر الملائكة وغيرها من خلقه والعماء هو السحاب . وإذا جاز أن يعبر عن إذاية أوليائه بقوله تعالى { يحاربون الله } ويؤذون الله ، جاز أن يعبر باسمه عن ملائكته وعرشه وسلطانه وملكه قلت هذا الحديث أخرجه الإمام أحمد وابن ماجه والترمذي وحسنه عن أبي رزين رضي الله تعالى عنه ، قال قلت : يا رسول الله . . . الحديث . قال الترمذي قال أحمد بن منيع ، قال يزيد بن هارون : العماء ليس معه شيء ا هـ وهذا يغني عن تأويل السهيلي .

ثم قال السهيلي والثالث : السؤال بأين عن ذات ربنا سبحانه وتعالى ، فهذا سؤال لا يجوز وهو سؤال فاسد لا يجاب عنه سائله ، وإنما سبيل المسئول أن يبين له فساد السؤال كما قال علي كرم الله تعالى وجهه حين قيل له : أين الله الذي أين الأين لا يقال فيه أين ؟ فبين للسائل فساد سؤاله بأن الأينية مخلوقة ، والذي خلقها كان موجودا قبل خلقها لا محالة ، ولا أينية له ، وصفاته تعالى لا تتغير فهو بعد أن خلق الأينية على ما كان قبل خلقها . وإنما مثل هذا السؤال كمثل من سأل عن لون العلم أو عن طعم الظن والشك ، فيقال من عرف حقيقة العلم أو الظن ثم سأل هذا السؤال فهو متناقض لأن اللون والطعم من صفة [ ص: 249 ] الأجسام ، وقد سألت عن جسم فسؤالك محال أي متناقض .




الخدمات العلمية