الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وهل يمنع مطلقا ؟ أو إلا في : كإن لم أحج في هذا العام ، وليس وقت سفر ؟ تأويلان [ ص: 132 - 133 ] إلا : إن لم أطلقك مطلقا أو إلى أجل ، أو إن لم أطلقك برأس الشهر ألبتة فأنت طالق رأس الشهر ألبتة ، أو الآن فينجز

التالي السابق


( وهل يمنع ) من نفى ولم يؤجل في غير صورتي الاستثناء منعا ( مطلقا ) غير مقيد بكون الفعل المعلق على عدمه ليس له وقت معلوم لا يمكن تقديمه عليه ( أو ) يمنع ( إلا في ) ما له وقت معين لا يمكن تقديمه عليه ( ك ) قوله ( إن لم أحج ) في هذا العام فأنت طالق ( وليس ) الوقت الذي علق فيه ( وقت سفر ) معتاد الحج فلا يمنع منها لعدم تمكنه منه قبل وقته في الجواب ( تأويلان ) ابن عبد السلام الظاهر الثاني إذ لا يقصد أحد الحج في غير وقته المعتاد . ابن عرفة وما له أجل عرفا سمع عيسى بن القاسم فيه من قال إن لم أحج فامرأته طالق ألبتة فلا ينبغي له وطؤها حتى يحج ، فإن [ ص: 132 ] قال بيني وبين ذلك زمان قيل له أحرم واخرج لأنها إن رفعته ضرب له أجل المولي إن لم يحرم ، ولو كان في المحرم وإن رضيت بالمقام دون مسيس حج متى شاء .

ابن رشد ظاهر كظاهر قول ابن القاسم فيها يمنع الوطء من يوم حلفه وإن لم يأت إبان خروج الناس للحج وإن رفعته ضرب له أجل المولي وقال غيره فيها إن تبين ضرره بها قيل له اخرج وأحرم وإن كان في المحرم وضعناه على ما قال عيسى بن دينار إذا وجد صحابة وإلا فلا يؤمر بإحرام ولا يضرب له أجل الإيلاء . وروى ابن نافع لا يمنع من الوطء ولا يضرب له الأجل حتى يأتي إبان خروج الحج ، فإن جاء ضرب له فإن حج قبل انقضائه سقط عنه الإيلاء ، وإن لم يحج طلق عليه بالإيلاء ، وإن لم يخرج حتى انقضى أجل الإيلاء طلق عليه عند انقضائه . " ر " إذا انقضى أجل الإيلاء قبل وقت الحج فلا يطلق عليه حتى يأتي ، فإن أتى وحج بر وسقط الإيلاء وإن لم يحج طلق عليه بها ، وإن لم يؤجل للإيلاء ولم يخرج حتى فاته الحج أجل للإيلاء وقيل له اخرج وأحرم على القول الأول ، وعلى القول الثاني قال ابن القاسم يطلق عليه .

وقال أشهب يرجع إلى الوطء وقيل لا يرجع إليه أبدا ويؤجل للإيلاء متى قامت به امرأته . وثالثها لا يمنع الوطء حتى يخشى فوات الحج فيمنع ويؤجل للإيلاء إن قامت امرأته به . وقيل أخرج فإن أسرع وحج سقط الإيلاء وإن لم يدركه طلق عليه بها إن انقضى أجلها أو عند انقضائه . ورابعها لا يمنع الوطء حتى يفوته الحج فإن فاته وقامت به امرأته ضرب له أجل الإيلاء فإن خرج فلا تطلق عليه بانقضائه حتى يأتي وقت الحج . فإن حج بر وسقط عنه الإيلاء . وإن لم يحج طلق عليه بها وإن لم يخرج حتى انقضى أجل الإيلاء طلق عليه بها وهذا وما قبله قائمان من المدونة وإن كان يوم حلف لم يبق بينه وبين وقت الحج ما يدركه فيه فلا يمنع من الوطء ولا يدخل عليه الإيلاء في بقية ذلك العام ، وهو دليل قوله في السماع .

فإن لم يحج من عامه وعليه من الزمان ما يحج في مثله ثم قال ابن عرفة الصقلي عن محمد إن حلف على فعل شيء أو الخروج لبلد ولا يمكنه حينئذ فلا يكون على حنث حتى [ ص: 133 ] يمكنه ، وكذا إن لم يكن لخروجه وقت ومنعه فساد طريق أو غلاء كراء فهو عذر ، وكذا حلفه ليكلمن فلانا الغائب فلا يوقف حتى يقدم ولو طالت غيبته ، فإن مات فيها فلا شيء عليه ولو حضر وطال مقدامه بما يمكنه الفعل فيه فلم يفعل حتى مات فلان حنث .

واستثنى من قوله وإن نفى ولم يؤجل منع منها أي وينتظر فقال ( إلا ) قوله ( إن لم أطلقك ) فأنت طالق حال كونه ( مطلقا ) بكسر اللام أي غير مقيد له بأجل فينجز عليه الطلاق لأن ما لها للطلاق على كل حال سواء بر أو حنث ( أو ) مقيدا تعليقه ( إلى أجل ) قوله إن لم أطلقك بعد شهر فأنت طالق فينجز عليه حينئذ ، هذا مذهب المدونة .

ابن رشد وجهه أنه حمله على التعجيل والفور فكأنه قال إن لم أطلقك فأنت طالق الآن . ابن عاشر لما تضمن قوله منع منها حكمين أحدهما مصرح به وهو الحيلولة والآخر لازم وهو عدم التنجيز ، استثنى من ذلك باعتبار الحكم الأول قوله إلا إن لم أحبلها إلخ ، وباعتبار الحكم الثاني قوله إلا إن لم أطلقك إلخ المسائل الأربعة ، ولما لم يكن المستثنى منه في هذه صريحا احتاج إلى بيانه بقوله فينجز فلو قرن إلا الثانية بواو عطف لكان أصنع .

( أو ) أي وإلا قوله ( إن لم أطلقك رأس ) أي آخر ( الشهر ألبتة فأنت طالق رأس الشهر ألبتة ) فتنجز عليه ألبتة وقت تعليقه لأنها واقعة آخره بإيقاعه أو بحنثه فلا بد منها ( أو ) أي وإلا إن قال إن لم أطلقك رأسه ألبتة فأنت طالق ( الآن ) ألبتة ( فينجز ) الطلاق ألبتة إذ لا بد منها إما بإيقاعه أو حنثه قاله ابن شاس وابن الحاجب ، وصرح في التوضيح بأنه المشهور وظاهر كلام الجواهر أن هذه ليس فيها نص بالتنجيز وإنما هو مخرج فيها بالقياس على المسألة التي قبلها ، واعترف في التوضيح بهذا وبينهما فرق ، [ ص: 134 ] لأن الأولى عجل فيها الطلاق لأنه لا بد له منه ، وهذه له الخروج فيها من عهدة اليمين بالمصالحة مع أن الأولى منصوصة في المدونة ففيها وإن قال إن لم أطلقك فأنت طالق لزمه مكانه طلقة ، وقال غيره لا يلزمه الطلاق إلا أن ترفعه إلى السلطان أو وقفه ا هـ .

وجزم اللخمي بعدم التنجيز في الحلف بالبتة قائلا قال محمد له أن يصالح قبل الأجل فلا يلزمه غير واحدة . ا هـ . وهو واضح إذ لا وجه للتنجيز وهو يجد مخرجا بالمصالحة ، ولم يعرف ابن عرفة القول بالتنجيز فضلا عن كونه مشهورا ، ونصه اللخمي إن حلف بالثلاث إن لم يطلقها قبل الهلال ثلاثا لم يعجل أحد الطلاقين . قال محمد لأن له أن يصالح قبل الأجل فلا يلزمه غير واحدة . الشيخ روى محمد في أنت طالق إلى شهر ثم قال أنت طالق الآن الطلقة التي إلى شهر لم يلزمه إلا طلقة . محمد هذه جيدة ووقف عما قبلها ورآها أيمانا لا يجب فيها طلاق وقال أرأيت إن قال أنت طالق ألبتة إن لم أطلقك إلى سنة ألبتة أتعجل عليه ، وهو يقدر على أن يصالح قبل السنة ويتزوجها فيسلم من البتة ولا أحرم عليه وطأها إلى الأجل كقوله أنت طالق ألبتة لا أعتقن جاريتي إلى سنة لا يحرم عليه وطؤها .

قلت ظاهره الاتفاق على عدم التعجيل في تعليق " ألبتة " على عدمها وقول ابن الحاجب بعد ذكره القول بالتعجيل في أنت طالق إن لم أطلقك وكذلك إن لم أطلقك رأس الشهر ألبتة فأنت طالق ألبتة يقتضي أن فيها قولا بالتعجيل وكذا فعل ابن بشير .




الخدمات العلمية