الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 128 ] بخلاف إلا أن يبدو لي : [ ص: 129 ] كالنذر والعتق [ ص: 130 ] وإن نفى ولم يؤجل . كإن لم يقدم منع منها [ ص: 131 ] إلا إن لم أحبلها ، أو إن لم أطأها

التالي السابق


( بخلاف ) قوله أنت طالق ( إلا أن يبدو ) أي يظهر ( لي ) عدم طلاقك فينجز الطلاق عليه ، حيث رد الاستثناء للمعلق ، فإن رده للمعلق عليه نفعه كما مر في قوله إن دخلت الدار فأنت طالق إلا أن يبدو لي في المعلق عليه فقط فلا تناقض بينهما . ابن عرفة في قولها في النذور من قال علي المشي إلى بيت الله إلا أن يبدو لي أو أرى خيرا من ذلك فلا ينفعه استثناؤه . الصقلي وكذا في الطلاق والعتق . إسماعيل القاضي ما رواه ابن القاسم في المشي إنما هو قوله علي المشي إلا أن يشاء الله ، ولا يشبه قوله إلا أن يبدو لي [ ص: 129 ] أو أرى خيرا منه واستحسنه بعض فقهائنا ، وقال ما قوله إلا أن يبدو لي إلا كقوله إلا أن يشاء فلان ، فكما لا يلزمه إلا أن يشاء فلان فكذا لا يلزمه إلا أن يشاء هو . التونسي لم ينفعه استثناؤه بقوله إلا أن يبدو لي لأنه لم يضفه إلى فعل لم يقع ، بل إلى وجوب شيء قد ألزمه نفسه فليس له ذلك كالقائل أنت طالق إلا أن يبدو لي . ولو قال أنت طالق إن شئت كان له ذلك . ثم قال ابن عرفة وقول ابن الحاجب بخلاف إلا أن يبدو لي على الأشهر خلاف نص تسويته بينهما . ووجه تفرقته أن الرافع في إلا أن يبدو لي هو الموقع فكان منه تلاعبا . وفي إلا أن يشاء فلان غيره فأشبه كونه تفويضا .

وشبه في جميع ما تقدم فقال ( كالنذر والعتق ) فإذا قال علي نذر أو نذر كذا أو علي عتق عبدي فرج إن شاء زيد أو إلا أن يشاء زيد فيتوقف ذلك على مشيئته . وكذا إن قال إن شئت فإن قال إلا أن أشاء لزمه وإن قال إلا أن يبدو لي فإن رده ليعلق عليه نفعه وإلا فلا ينفعه . ابن عرفة ونص الروايات تسوية العتق والنذر بالطلاق في الاستثناء . ابن شاس في الفرق بين الطلاق واليمين بالله في الاستثناء لأصحابنا طريقان الأولى لفظ الطلاق يوجبه فلا يرتفع بالاستثناء واليمين بالله تعالى لا يتعلق بها حكم ، الثانية قول البغداديين تأخر الاستثناء عن الطلاق مع وقوعه بلفظه كاستثناء علق بماض يسقط كسقوطه في تعلقه به في اليمين بالله . المازري تحقيقه إن أراد إن شاء الله إيقاع لفظي لزمه الطلاق عند أهل السنة وإن أراد إن شاء لزوم الطلاق للحالف به لزمه قولا [ ص: 130 ] واحدا ، وإن أراد إن شاء الله طلاقك في المستقبل فأنت طالق الآن جرى على الخلاف في تعليق الطلاق بمشكوك فيه ، وإليه أشار مالك رضي الله تعالى عنه بقوله علقه بمشيئة من لا تعلم مشيئته ، وإن أراد إلزام الطلاق مع الاستثناء فهو أشكل الوجوه ، والحق الرجوع فيه إلى اختلاف الأصوليين هل لله تعالى في الفروع حكم مطلوب نحن غير عالمين به فيرجع إلى تعليقه بالمغيبات أو ليس له حكم بل كل مجتهد مصيب فيكون الحق معلقا باجتهاد المفتي .

قلت ما ذكره عن المازري ليس في شيء من التفريق ، بل هو بحث في أعمال الاستثناء ، ولغوه والأقرب في التفريق أن مدلول الطلاق حكم شرعي فقط ، فاستحال تعليقه لقدمه ومدلول اليمين فعل أو كف عنه فصح تعليقه لحدوثه ، والأولى قول بعضهم الأصل لغو الاستثناء بمشيئة الله تعالى في غير المعلق ورد أعماله في اليمين بالله تعالى ، وبقي غيره على الأصل .

وذكر قسيم إن أثبت فقال ( وإن نفى ) أي حلف بصيغة حنث صريحا أو ضمنا ( ولم يؤجل ) بضم التحتية وفتح الهمز وكسر الجيم مشددة أي لم يذكر ليمينه أجلا معينا بأن أطلقها ( ك ) قوله ( إن لم يقدم ) زيد فأنت طالق ( منع ) بضم فكسر أي الزوج ( من ) وطء ( ها ) أي الزوجة التي علق طلاقها على عدم القدوم مثلا حتى يحصل لئلا يلزم الاسترسال على فرج مشكوك فيه وينتظر فإن رفعته بترك وطئها ضرب له أجل الإيلاء من يوم الحكم لأنه لم يحلف على ترك الوطء وإنما جبر على تركه بحكم الشرع . وفي نسخة كإن لم أقدم بهمزة المتكلم وهو أولى لأنه سيذكر حكم حلفه على فعل غيره بقوله وإن حلف على فعل غيره إلخ ، ويمكن رد النسخة الأولى إلى الثانية بجعل فاعل يقدم ضمير الحالف ، فإن أجل بأجل معين كإن لم يقدم بعد شهر مثلا فأنت طالق فلا يمنع منها لأنه على بر حتى يضيق الأجل ، فإن فعل قبل انقضائه بر وإلا حنث .

ابن عرفة والتعليق على عدم فعل ممكن للحالف غير ممنوع ولا مؤجل يمنع الوطء حتى يفعله وإن مات أحدهما ولم يفعله ورثته وورثها إذ لا تطلق ميتة ولا يؤمر ميت بطلاق ، [ ص: 131 ] وفي الأيمان منها من قال أنت طالق إن لم أفعل كذا حيل بينه وبينها حتى يفعل ذلك وإلا دخل عليه الإيلاء .

اللخمي روى ابن شعبان من حلف بالطلاق ليفعلن فترك وطئه محدث ليس من الأمر القديم ، يريد لم تكن الفتيا بمنعه ، وقول ابن كنانة يؤمر بالكف من يتوقع حنثه في الحياة لا من لا يحنث إلا بموته أو موت زوجته أحسن . الشيخ إن تعدى ووطئ فلا يلزمه استبراء . الصقلي لضعف القول بمنعه والاختلاف فيه . قلت يرده وطء المعتكفة والمحرمة والصائمة فالأولى لأنه ليس لخلل في موجب الوطء ، وقول استبرائها كل وطء فاسد لا يطأ بعده حتى يستبرئ يريد ما فسد لسبب حليته وهو دليل ما قبله من وطء الأب أمة ابنه .

واستثنى من قوله منع منها فقال ( إلا ) من كان بره في وطئها ( ك ) قوله ( إن لم أحبلها ) فهي طالق بضم الهمز وسكون الحاء وكسر الموحدة ( أو ) قوله ( إن لم أطأها ) فهي طالق فلا يمنع منها لأن بره في وطئها فيرسل عليها ، فإن ترك وطأها ورفعته فهو مول عند مالك والليث لا عند ابن القاسم رضي الله تعالى عنهم . ومحل قوله إن لم أحبلها حيث يتوقع حملها فإن أيس منه ولو من جهته منع منها ونجز عليه طلاقها .




الخدمات العلمية