الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر تلك الخطبة

روى أبو جعفر ابن جرير قال: حدثني يونس بن عبد الأعلى ، عن ابن وهب ، عن سعيد بن عبد الرحمن الجمحي : أنه بلغه عن خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم في أول جمعة صلاها بالمدينة في بني سالم بن عوف : [ ص: 66 ]

الحمد لله ، أحمده وأستعينه ، وأستغفره وأستهديه [وأومن به ولا أكفره ، وأعادي من يكفره ، ] وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبده ورسوله ، أرسله بالهدى والنور والموعظة ، على فترة من الرسل ، وقلة من العلم ، وضلالة من الناس ، وانقطاع عن الزمان ، ودنو من الساعة ، وقرب من الأجل ، من يطع الله ورسوله فقد رشد ، ومن يعص الله ورسوله فقد غوى وفرط ، وضل ضلالا بعيدا ، وأوصيكم بتقوى الله ، فإنه خير ما أوصى به المسلم المسلم أن يحضه على الآخرة ، وأن يأمره بتقوى الله ، فاحذروا ما حذركم الله من نفسه ، [ولا أفضل من ذلك نصيحة] ولا أفضل من ذلك ذكرا ، وإن تقوى الله لمن عمل به على وجل ومخافة من ربه ، عون صدق على ما تبغون من أمر الآخرة ، ومن يصلح الذي بينه وبين الله من أمره في السر والعلانية ، لا ينوي بذلك إلا وجه الله يكن له ذكرا في عاجل أمره ، وذخرا فيما بعد الموت حين يفتقر المرء إلى ما قدم ، وما كان من سوى [ذلك] يود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ، ويحذركم الله نفسه ، والله رءوف بالعباد . والذي صدق قوله ، وأنجز وعده ، لا خلف لذلك ، فإنه يقول: ما يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد فاتقوا الله في عاجل أمركم وآجله في السر والعلانية ، فإنه من يتق الله يكفر عن سيئاته ، ويعظم له أجرا ، ومن يتق الله فقد فاز فوزا عظيما ، وإن تقوى الله [يوقي] مقته ، وعقوبته ، وسخطه ، ويبيض الوجوه ، ويرضي الرب ، ويرفع الدرجة .

[خذوا] بحظكم ، ولا تفرطوا في جنب الله ، قد علمكم الله كتابه ونهج لكم سبيله ، ليعلم الذين صدقوا وليعلم الكاذبين . فأحسنوا كما أحسن الله إليكم ، وعادوا [ ص: 67 ] أعداءه ، وجاهدوا في الله حق جهاده ، هو اجتباكم وسماكم المسلمين ليهلك من هلك عن بينة ، ويحيا من حي عن بينة ، ولا قوة إلا بالله ، فأكثروا ذكر الله ، واعلموا أنه خير الدنيا وما فيها ، واعملوا لما بعد الموت ، فإنه من يصلح ما بينه وبين الله يكفه الله ما بينه وبين الناس ، ذلك بأن الله يقضي الحق على الناس ولا يقضون ، ويملك من الناس ولا يملكون منه ، الله أكبر ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .


قال ابن إسحاق : وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم ناقته ، وأرخى الزمام ، فجعلت لا تمر بدار من دور الأنصار إلا دعاه أهلها إلى النزول عندهم ، وقالوا له: هلم يا رسول الله إلى العدد والعدة والمنعة .

فيقول لهم [صلى الله عليه وسلم]: "خلوا زمامها فإنها مأمورة" .

حتى انتهى إلى موضع مسجده اليوم ، فبركت على باب مسجده وهو يومئذ مربد لغلامين يتيمين من بني النجار في حجر معاذ بن عفراء يقال لأحدهما: سهل ، والآخر: سهيل ابنا عمرو بن عباد ، فلم ينزل عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فوثبت فسارت غير بعيد ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم واضع لها زمامها لا يثنيها [به] ، ثم التفتت [خلفها] ، ثم رجعت إلى منزلها أول مرة ، فبركت فيه ووضعت جرانها ، ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها ، فاحتمل أبو أيوب رحله ، فوضعه في بيته ، فدعته الأنصار إلى النزول عليهم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المرء مع رحله" .

فنزل على أبي أيوب خالد بن زيد ، وسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المربد: لمن هو؟

فأخبره معاذ وقال: هو ليتيمين لي وسأرضيهما . [ ص: 68 ]

فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبنى مسجد ،
وأقام عند أبي أيوب حتى بنى مسجده ومساكنه .

أخبرنا عبد الأول قال: أخبرنا الداودي قال: أخبرنا يحيى بن زكريا قال: أخبرنا الليث ، عن عقيل قال: قال ابن شهاب: أخبرني عروة ، عن عائشة قالت: لبث رسول الله صلى الله عليه وسلم في بني عمرو بن عوف بضع عشرة ليلة ، وأسس المسجد الذي أسس على التقوى ، وصلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم ركب راحلته ، فسار يمشي معه الناس حتى بركت عند مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة وهو يصلي فيه رجال من المسلمين ، وكان مربدا للتمر لسهل وسهيل غلامين يتيمين في حجر أسعد بن زرارة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بركت: "هذا إن شاء الله . المنزل" ثم دعا الغلامين فساومهما بالمربد ليتخذه مسجدا . فقالا: بل نهبه لك يا رسول الله ، ثم بناه مسجدا ، وطفق ينقل معهم اللبن في بنيانه ويقول:


هذا الحمال لا حمال خيبر هذا أبر ربنا وأظهر

ويقول:


اللهم إن الخير خير الآخرة     فارحم الأنصار والمهاجرة

قال مؤلف الكتاب: انفرد بإخراجه البخاري .

وفيه دليل على أن مسجد قباء بني قبل مسجد المدينة .

التالي السابق


الخدمات العلمية