الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            صفحة جزء
            ص - ( مسألة ) : من أخر مع ظن الموت قبل الفعل ، عصى اتفاقا . فإن لم يمت ثم فعله في وقته - فالجمهور : أداء .

            وقال القاضي : إنه قضاء . فإن أراد وجوب نية القضاء - فبعيد .

            ويلزمه لو اعتقد انقضاء الوقت قبل الوقت - [ يعصي بالتأخير .

            ومن أخر مع ظن السلامة فمات فجأة - فالتحقيق لا يعصي . بخلاف ما وقته العمر .

            التالي السابق


            ش - المسألة [ الثالثة ] فرع على ثبوت الواجب الموسع . القائلون بالواجب الموسع أجمعوا على أن المكلف لو أخر الواجب الموسع عن أول الوقت مع غلبة ظن الموت قبل الفعل ، لو لم يشتغل به ، [ ص: 364 ] عصى بتركه في أول الوقت اتفاقا ; لأنه قد تضيق الوقت بناء على ظنه وترك الواجب في وقته المضيق بلا عذر عصيان .

            فإن لم يمت المكلف ، ثم فعل الواجب الموسع في آخر وقته ، [ فالجمهور على أنه أداء ; ] لأنه فعل في وقته المقدر له أولا [ شرعا ] .

            وقال القاضي : يكون ما فعله في آخر الوقت قضاء ; لأنه قد تضيق الوقت بظنه ، فيكون وقوعه في الآخر وقوع الواجب بعد انقضاء وقته ، فيكون قضاء . والمصنف زيف قول القاضي بأنه إن أراد القاضي بكونه قضاء : وجوب نية القضاء ، فبعيد ; لأن القضاء ما يؤتى به خارج وقته المعين ; وهذا ليس كذلك ; لأنه قد كان قبل الظن وقتا للأداء ، والأصل بقاء الشيء على ما كان ; فلا تجب نية القضاء .

            وأما قوله : قد تضيق الوقت عليه بظنه وقد خرج عن ذلك الوقت فيكون الفعل بعده قضاء ، فباطل ; لأن الظن البين خطؤه لا يؤثر .

            ويمكن تقرير كلام المصنف على هذا الوجه . وهو أن يقال : إن أراد وجوب نية القضاء فبعيد ; لأن المختار جواز استعمال نية القضاء والأداء كل مكان الآخر . فوجوب نيته يكون بعيدا .

            [ ص: 365 ] وللقاضي أن يقول : إنه قضاء بمعنى أنه وقع خارج وقته بناء على الظن المعتبر ; وذلك لأن الظن لو لم يكن معتبرا ، لم يكن عاصيا بتركه في أول الوقت ; لأن العصيان إنما هو بسبب ظنه . والتالي باطل بالإجماع فيلزم بطلان المقدم .

            ويمكن أن يجاب عنه بأن الظن يعتبر ما لم يتبين خطؤه . فحينئذ يكون هذا الظن معتبرا قبل ظهور الخطأ ، فوجب العمل به ، فبتركه يكون عاصيا . وبعد ظهور الخطأ لم يعتبر ، فيكون الوقت غير مضيق .

            ثم قال المصنف : ويلزم القاضي : لو اعتقد المكلف قبل دخول الوقت أن الوقت قد دخل ، وأنه إذا لم يشتغل به انقضى الوقت ، فعصى بالتأخير . أنه يكون ما فعله في وقته المقدر له شرعا بعد أن تبين خطأ اعتقاده ، قضاء ; لأنه حينئذ قد تضيق الوقت عليه بناء على اعتقاده .

            فوقوعه بعد ذلك الوقت في وقته المقدر له شرعا يكون خارجا عن وقته المضيق على زعم القاضي .

            وقال بعض الشارحين : إنه يرد على مذهب القاضي أن لا يعصي المكلف بترك الإتيان بالواجب في الباقي من الوقت ، وتأخيره عنه ; لأن القضاء وقته موسع ما لم يتعمد بالترك . ولا يعصي إذا لم يأت به في الوقت إذا ظن المكلف قبل الوقت دخوله وخروجه [ لو ] لم يشتغل به وليس كذلك ; فإنه لا يجوز له الترك والتأخير بالإجماع .

            [ ص: 366 ] فإن كان مراد المصنف ما ذكرنا فلعله سقط من لفظه " أنه " [ عن ] أول قوله : " يعصي " وإن أراد غيره لم يتحقق .

            ومن أخر مع ظن السلامة فمات فجأة في الوقت الموسع ، فالتحقيق أنه لا يعصي ; إذ الواجب الموسع يجوز تركه في أول الوقت مع عدم علمه بالعاقبة . وإذا كان تركه جائزا فكيف يعصي به . وأيضا أجمع السلف على عدم العصيان .

            وقولهم إنما جوز التأخير بشرط سلامة العاقبة ، باطل ; لأن العاقبة مستورة عنه . فإذا سألنا وقال العاقبة مستورة ، وأريد تأخير الواجب الموسع عن أول الوقت ، فهل يجوز لي التأخير مع الجهل بالعاقبة ، أو أعصي بالتأخير ، فلا بد له من جواب .

            فإن قلنا : لا يعصي ، فلم يأثم بالموت الذي ليس إليه . وإن قلنا : يعصي فهو خلاف مقتضى الواجب الموسع .

            [ ص: 367 ] وإن قلنا : إن كان في علم الله تعالى أنك تموت قبل الفعل ، فأنت في الحال عاص بالتأخير . وإن كان في علمه تعالى أنك تعيش إلى الآخر ، فلك التأخير . فيقول : وما يدريني ماذا في علم الله تعالى ، وما فتواكم في حق الجاهل ؟ فلا بد في الحكم بالتحليل أو التحريم ، فلم يبق إلا أن يقول : يجوز بالتأخير بشرط أن يغلب على ظنه أنه يبقى بعد ذلك ، سواء بقي أو لم يبق .

            وهذا بخلاف ما وقته العمر كالحج ، فإنه لو أخر مع ظن السلامة ومات يعصي بالتأخير ; لأن البقاء إلى سنة أخرى ليس بغالب إلى الظن .

            ولهذا قال أبو حنيفة : لا يجوز تأخير الحج إلى سنة [ ص: 368 ] أخرى . وأما تأخير الصوم إلى شهر أو شهرين جائز ; لأنه لا يغلب على الظن الموت إلى هذه المدة .

            والشافعي يرى البقاء إلى السنة الثانية غالبا على الظن في حق الشاب الصحيح دون الشيخ .




            الخدمات العلمية