الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            صفحة جزء
            ص - لنا أن عمر - رضي الله عنه - ترك القياس في الجنين للخبر ، وقال : " لولا هذا لقضينا فيه برأينا " .

            وفي دية الأصابع باعتبار منافعها بقوله : " في كل إصبع عشر " . وفي ميراث الزوجة من الدية . وغير ذلك ، وشاع وذاع ولم ينكره أحد .

            [ ص: 754 ] وأما مخالفة ابن عباس خبر أبي هريرة - رضي الله عنهما - " توضئوا مما مسته النار " فاستبعاد لظهوره .

            وكذلك هو وعائشة في : " إذا استيقظ " . ولذلك قالا : فكيف نصنع بالمهراس . وأيضا [ أخر معاذ ] العمل بالقياس وأقره - صلى الله عليه وسلم - . وأيضا لو قدم - لقدم الأضعف .

            والثانية إجماع; لأن الخبر مجتهد فيه في العدالة والدلالة ، والقياس في ستة : حكم الأصل ، وتعليله ، ووصف التعليل ، ووجوده في الفرع ، ونفي المعارض فيهما . وإلى الأمرين أيضا إن كان الأصل خبرا .

            التالي السابق


            ش - احتج المصنف على تقديم الخبر على القياس إذا لم تكن العلة ثابتة بنص راجح بثلاثة وجوه .

            أحدها الإجماع . ووجه التمسك به أن عمر - رضي الله عنه - ترك العمل بالقياس وأخذ الخبر في دية الجنين . وذلك لأنه قصد أن [ ص: 755 ] يعمل بالقياس . فقال حمل بن مالك : " كنت بين ضرتين لي فضربت إحداهما الأخرى بمسطح فألقت جنينا ميتا ، فقضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالغرة " . فقال عمر - رضي الله عنه - لولا هذا لقضينا برأينا .

            وأيضا ترك عمر العمل بالقياس وأخذ بالخبر في دية الإصبع ، فإنه قصد إيجاب دية الأصابع على قدر منافعها ، حتى روى واحد من الصحابة له " في كل إصبع عشر من الإبل " .

            [ ص: 756 ] وأيضا اجتهد عمر واستقر رأيه على أن زوجة المقتول لا ترث من دية زوجها ، فلما نقل عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - إليه توريث الزوجة من دية زوجها ، ترك الاجتهاد وأخذ بالخبر .

            وغير ذلك من الوقائع . وقد شاع ذلك بين الصحابة ولم ينكر عليه أحد فيكون إجماعا على تقديم الخبر على القياس .

            قوله : " وأما مخالفة ابن عباس " جواب دخل مقدر . توجيهه أن يقال : لا نسلم أنه لم ينكر أحد من الصحابة تقديم الخبر على القياس . وذلك لأن ابن عباس قدم القياس على الخبر ، فإنه خالف خبر أبي هريرة : " توضئوا مما مست النار " فقال : " ألسنا نتوضأ بالماء الحميم ، فكيف نتوضأ بما نتوضأ عنه " .

            [ ص: 757 ] وأيضا خالف ابن عباس وعائشة خبر أبي هريرة : " إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يدخل يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثا " لكونه مخالفا للقياس . [ ص: 758 ] أجاب بأنا لا نسلم أن إنكار ابن عباس في الحديث الأول لترجيح القياس على الخبر ، بل إنكاره لاستبعاده الحديث المذكور لظهور الأمر على خلافه .

            وكذلك إنكار ابن عباس وعائشة خبره . ولذلك قالا : " كيف نصنع بالمهراس " ، وهو الحجر العظيم الذي يصب فيه الماء لأجل الوضوء .

            [ الوجه ] الثاني أنه - عليه السلام - لما بعث معاذا إلى اليمن سأله ، فقال : بم تقضي يا معاذ ؟ فقال : بالكتاب . قال - عليه السلام - : " فإن لم تجد فيه ؟ " قال : بالسنة . قال : " فإن لم تجد فيها ؟ " قال : أجتهد برأيي . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضاه الله ورسوله " .

            فجعل معاذ العمل بالقياس مشروطا بفقد الحكم في السنة ، أعم من أن يكون متواترا أو آحادا ، فأقره الرسول - عليه السلام - وحمد الله على ذلك . فلو لم يكن الخبر مقدما على القياس لما أقره الرسول - عليه السلام - ولم يحمد على ذلك الوجه .

            الثالث : لو قدم القياس على الخبر لزم تقديم الأضعف على الأقوى . والتالي باطل بالاتفاق . وإليه أشار بقوله : " والثانية إجماع " .

            [ ص: 759 ] بيان الملازمة أن الخبر يتوقف على مقدمات أقل . وما يتوقف على مقدمات أقل ، كان الخطأ فيه أقل ، فيكون أقوى .

            وإنما قلنا : إن الخبر يتوقف على مقدمات أقل لأن الخبر يجتهد فيه في الأمرين : عدالة الراوي ، ودلالته على ما هو المراد . والقياس يجتهد فيه في ستة أمور : الأول : ثبوت حكم الأصل . والثاني : تعليل حكم الأصل . الثالث : الوصف الصالح للتعليل . الرابع : وجود ذلك الوصف في الفرع ; الخامس : عدم المعارض في الأصل . السادس : عدمه في الفرع .

            هذا إذا لم يكن الأصل ثابتا بالخبر . أما إذا كان الأصل ثابتا بالخبر ، احتاج القياس أيضا إلى الأمرين : العدالة والدلالة .




            الخدمات العلمية