الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            صفحة جزء
            ص - ( مسألة ) : الواجب على الكفاية على الجميع ، ويسقط بالبعض . لنا : إثم الجميع بالترك باتفاق .

            قالوا : [ يسقط ] بالبعض . قلنا : استبعاد

            قالوا : كما أمر بواحد مبهم أمر بعض مبهم . قلنا : إثم واحد مبهم لا يعقل .

            قالوا : " فلولا نفر " . قلنا : يجب تأويله على المسقط ، جمعا بين الأدلة .

            [ ص: 343 ]

            التالي السابق


            ش - لما فرغ عن المقدمة شرع في المسائل ، وذكر أربع مسائل في أحكام الواجب . المسألة الأولى في الواجب على الكفاية .

            اختلف الأصوليون في أن الواجب على الكفاية هل هو واجب على جميع المكلفين ، ويسقط الوجوب عنهم بفعل بعضهم ، أم على بعض غير معين . فذهب طائفة إلى الأول والأخرى إلى الآخر . واختار المصنف المذهب الأول .

            لنا أن الواجب على الكفاية [ لو ] لم يكن على جميع المكلفين لما أثم الجميع بتركه . والتالي باطل بالإجماع فيلزم بطلان المقدم .

            بيان الملازمة أنه يمتنع مؤاخذة الإنسان بترك ما لا يجب عليه .

            واستدل الخصم بثلاثة وجوه : أحدها على إبطال المذهب المختار ، والآخرون على إثبات مذهبه . الأول : أن الواجب على الكفاية سقط عن المكلفين بفعل البعض ، فلو كان واجبا على الجميع لما كان كذلك ; لأن الواجب على المكلف يستبعد أن يسقط عنه بفعل غيره .

            أجاب المصنف عنه بأن ما ذكرتم مجرد استبعاد ، وهو لا يقتضي الامتناع ، فيجوز أن يسقط الوجوب عن المكلف بفعل غيره .

            [ ص: 344 ] [ الوجه ] الثاني : أنه كما يجوز أمر المكلف بواحد مبهم ، كخصال الكفارة ، فكذا يجوز أمر واحد مبهم ، قياسا عليه . والجامع تعدد متعلق الوجوب مع سقوط الوجوب بفعل البعض .

            أجاب المصنف عنه بالفرق . وتوجيهه أن يقال : الإثم بترك واحد مبهم من أمور متعددة ، ممكن معقول . فلهذا جاز أن يكون متعلقا للوجوب . بخلاف إثم واحد مبهم فإنه لا يعقل ، فلا يكون متعلقا للوجوب .

            الوجه الثالث : قوله تعالى : فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين يدل على أن الواجب على الكفاية على بعض غير معين . وذلك لأن طلب الفقه من فروض الكفايات . والآية أوجبت على كل فرقة أن ينفر منهم طائفة ، وتلك غير معينة ، فيكون المأمور بعضا غير معين .

            أجاب المصنف عنه بأن الطائفة كما يحتمل أن يكونوا هم الذين أوجب الله عليهم طلب الفقه ، احتمل أن يكونوا هم الذين يسقطون الوجوب بالمباشرة عن الجميع . والاحتمال الثاني وإن كان مرجوحا ، يحمل عليه جمعا بين الدليلين .

            فإنا لو حملنا الطائفة على الذين أوجب الله عليهم ، يلزم بطلان دليلنا ، وهو الإجماع على تأثيم الجميع بتركه .

            [ ص: 345 ] ولو حملناه على المسقطين ، لم يلزم بطلان دليلنا ، ولا العمل بالآية . فتعين المصير إليه ; لأن الجمع بين الدليلين واجب بقدر الإمكان .




            الخدمات العلمية