الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ولو باع إن زالت الريبة : فسد

التالي السابق


( ولو ) طلق من تعتد بالأشهر ويمكن حيضها فيها وتوفي عنها وحصلت لها ريبة حمل أو أمكن حصولها فيهما و ( باع ) الغرماء الدار في المتوفى عنها أو الزوج في الأشهر وقال في عقد البيع ( إن زالت الريبة ) الحاصلة حين البيع أو التي تحصل بعده فالبيع لازم وإن استمرت فالبيع مردود ( فسد ) البيع للغرر طفي بهذا قرر الموضح قول ابن الحاجب والبيع بشرط زوال الريبة فاسد قال وهكذا في الواضحة وهو اختيار ابن المواز وعلى هذا جرى في مختصره وحاد عن عبارة ابن الحاجب فأتى بعبارة تطابق تقريره وتبعه على ذلك جميع من وقفت عليه من شراحه مع أنه تقرير غير صحيح وليس ذلك معنى كلام ابن الحاجب وإنما معناه البيع بشرط البائع على المشتري مكثت المعتدة [ ص: 339 ] إلى زوال ريبتها هكذا فرضت المسألة في كلام الأئمة ولذا علل الثعالبي قول ابن الحاجب فاسد بقوله لغرر كونها تتمادى سنة أو خمسا أقصى أمد الحمل وعزوه للواضحة وابن المواز غير صحيح .

يتبين لك بنقل كلام أهل المذهب ففي سماع أبي زيد بن القاسم في رجل هلك وترك دارا أو عليه دين قال : تباع الدار ، ويشترط لامرأته سكناها حتى تنقضي عدتها قيل له : إذا بيعت على ذلك فلما مضى أربعة أشهر وعشر ارتابت أترى لها السكنى حتى تخرج من الريبة قال : نعم وإنما هي مصيبة نزلت به قال سحنون : وإن تمادت الريبة إلى خمس سنين لأن المبتاع قد علم أن أقصى العدة خمس سنين فكأنه قدم عالما به ابن رشد وروي عن سحنون أنها إن ارتابت المرأة كان المشتري مخيرا بين أن يفسخ البيع عن نفسه أو يتماسك على أن لا يرد البائع عليه شيئا ومثله في الواضحة وإياه اختار محمد بن المواز قال : لأن البيع إنما يقع على استثناء العدة المعروفة ولو وقع البيع بشرط الاسترابة كان فاسدا واعترضه أبو إسحاق التونسي فقال إذا كان البيع شرط الاسترابة لا يجوز إذ لا يدري أتكون سنة أو خمس سنين فإذا ملك الخيار في الأخذ أو الترك كان أخذه على أن تسكن المرأة إلى انقضاء ريبتها كابتداء الشراء على ذلك إلا أن يكون هذا على أحد التأويلين فيمن خير بين شيئين فاختار أحدهما أنه يعد منتقلا ابن رشد ولا أدري معنى تخريجه في المسألة التي ذكر إذ لا اختلاف فيها أحفظه .

كما أنه لا اختلاف في أنه لا يجوز أن يبيع الرجل سلعته بعشرة نقدا أو بخمسة عشر إلى أجل على أن البيع لازم بأحد الثمنين أيهما شاء وإنما يتخرج جواز ذلك على القول بأن من اشترى سلعا فاستحق منها جلها فله أن يتماسك بما بقي منها بما ينوبه من الثمن وإن كان مجهولا لا يعرف إلا بعد التقويم ويحتمل أن يكون معنى قول محمد أنه مخير بين أن يرد البيع أو يتماسك على أنه بالخيار بالرد ما لم تنقض الريبة لا على أنه يتماسك به على أن البيع لازم له طالت الريبة أو قصرت وهذا أولى ما حمل عليه ا هـ كلام ابن رشد .

ابن عرفة يرد تعقبه بالاتفاق على المنع في البيع بعشرة نقدا وخمسة عشر لأجل لأنه للغرر [ ص: 340 ] يتعين في كل سلعة لا للانتقال وقول ابن الحاجب والبيع بشرط زوال الريبة فاسد خلافا لسحنون ظاهره أن قال سحنون نص له وليس كذلك وإنما هو تخريج للباجي على قول سحنون بلزوم البيع وعدم خيار المشتري مع الريبة وأنها مصيبة نزلت به بناء على أن كل ما يقتضيه العقد يجوز شرطه وفيه بحث تقدم في الصرف .

قال في الجواهر : لو وقع البيع بشرط زوال الريبة كان فاسدا ، ثم قال : قال القاضي أبو الوليد وهذا عندي على قول من يرى للمبتاع الخيار وأما على قول من يلزمه ذلك فلا تأثير للشرط . ا هـ . والقاضي أبو الوليد يعبر به عن الباجي طفي فقد ظهر لك مما نقلناه ما قلنا من فرض المسألة ومحط كلام الأئمة والعجب من المصنف أنه نقل في توضيحه كلام ابن رشد واعتراض التونسي وتخريج الباجي ولم يهتد لفرض المسألة وقد نازعه ناصر الدين اللقاني في حاشيته في تقريره المتقدم فقال : لو فسر هنا بأن البائع اشترط على المشتري مكث المعتدة إلى زوال الريبة طالت أو قصرت ، كما صرح به عياض آخر كلامه لكان أوجه ويدل على أن هذا المراد قوله وزاد الباجي وغيره ولا حجة للمشتري واعتراض التونسي ا هـ

وإنما تنفسنا بشيء من كلام الأئمة إيضاحا للحق والله الموفق .




الخدمات العلمية