الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                5876 ص: وقد روي عن عمر - رضي الله عنه - ما يدل على أنه قد كان له نقضه .

                                                حدثنا يونس ، قال : أنا ابن وهب ، أن مالكا أخبره ، عن زياد بن سعد ، عن ابن شهاب ، أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال : "لولا أني ذكرت صدقتي لرسول الله -عليه السلام-أو نحو هذا - لرددتها " .

                                                فلما قال عمر - رضي الله عنه - هذا ، دل أن نفس الإيقاف للأرض لم يكن يمنعه من الرجوع فيها وأنه إنما منعه من الرجوع فيها أن رسول الله -عليه السلام - أمره فيها بشيء وفارقه

                                                [ ص: 397 ] على الوفاء به ، فكره أن يرجع عن ذلك كما كره عبد الله بن عمرو أن يرجع بعد موت رسول الله عن الصوم الذي كان فارقه عليه أنه يفعله ، وقد كان له أن لا يصوم .

                                                التالي السابق


                                                ش: ذكر هذا شاهدا لما قاله من الكلام فيما تقدم .

                                                وأخرجه بإسناد صحيح مرسل : عن يونس بن عبد الأعلى ، عن عبد الله بن وهب ، عن مالك ، عن زياد بن سعد ، عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري . . . . إلى آخره .

                                                فإن قلت : قال ابن حزم : الخبر الذي ذكروه عن مالك منكر وبلية من البلايا ، وكذب بلا شك ، وما ندري من رواه عن يونس ، ولا هو معروف من حديث مالك وهبك لو سمعناه من الزهري لما وجب أن نتشاغل به ، ولقطعنا بأنه سمعه ممن لا خير فيه كسليمان بن أرقم وضربائه ، ونحن نثبت ونقطع بأن عمر - رضي الله عنه - لم يندم على قبوله أمر رسول الله -عليه السلام - وما اختاره له من حبس أرضه وتسبيل ثمرتها ، والله تعالى يقول : وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم وليت شعري إلى أي شيء كان يصرف عمر تلك الصدقة لو ترك ما أمره -عليه السلام - فيها ؟ ! حاشى لعمر من هذا .

                                                قلت : هذا تهافت عظيم وكيف يكون هذا كذبا ورواته من رجال الصحيح ؟ وكيف لا يكون معروفا من حديث مالك وقد روى عنه مثل عبد الله بن وهب ، وروى عن عبد الله مثل يونس بن عبد الأعلى أحد مشايخ مسلم في "صحيحه " ، وقد روى عن يونس مثل الطحاوي الإمام ؟ !

                                                قوله : "ونقطع بأن عمر لم يندم . . . . " إلى آخره . كلام صادر من غير روي لأنه ما ادعى أحد أن عمر - رضي الله عنه - ندم لأجل أمر رسول الله -عليه السلام - إياه بالصدقة والتحبيس ، وإنما كان تدارك لنفسه ما صدر منه من ذكره صدقته لرسول الله -عليه السلام- ; لأنه بعد ذكره له

                                                [ ص: 398 ] لم يكن له رجوع عما فارقه عليه ، وذلك كما أن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - كره أن يرجع عن الصوم الذي فارق رسول الله -عليه السلام - عليه ومع هذا كان له أن لا يصوم ، وهو صوم ثلاثة أيام من كل شهر .




                                                الخدمات العلمية