الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فإذا كل من اعتبر حال نفسه ، وفتش عما خص به ، وجد لله تعالى على نفسه نعما كثيرة ، لا سيما من خص بالسنة والإيمان والعلم والقرآن ثم الفراغ والصحة والأمن وغير ذلك : وقيل


من شاء عيشا رحيبا يستطيل به في دينه ثم في دنياه إقبالا     فلينظر إلى من فوقه ورعا
ولينظرن إلى من دونه مالا

وقال صلى الله عليه وسلم : من يستغن بآيات الله فلا أغناه الله وهذا إشارة إلى نعمة العلم ، وقال عليه السلام : إن القرآن هو الغنى الذي لا غنى بعده ، ولا فقر معه وقال عليه السلام من آتاه الله القرآن فظن أن أحدا أغنى منه فقد استهزأ بآيات الله

وقال صلى الله عليه وسلم ليس منا من لم يتغن بالقرآن .

وقال عليه السلام كفى باليقين غنى

وقال بعض السلف : يقول الله تعالى : في بعض الكتب المنزلة إن عبدا أغنيته عن ثلاث لقد أتممت عليه نعمتي عن سلطان يأتيه : وطبيب يداويه : وعما في يد أخيه : وعبر الشاعر عن هذا فقال :


إذا ما القوت     يأتيك كذا الصحة والأمن
وأصبحت أخا حزن     فلا فارقك الحزن

بل أرشق العبارات ، وأفصح الكلمات ، كلام أفصح من نطق بالضاد حيث عبر صلى الله عليه وسلم عن هذا المعنى فقال : من أصبح آمنا في سربه ، معافى في بدنه ، عنده قوت يومه ، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها .

التالي السابق


(فإذا كل من اعتبر حال نفسه، وفتش عما خص به، وجد لله تعالى على نفسه نعما كثيرة، لا سيما من خص بالسنة والإيمان والعلم والقرآن) ولفظ القوت: ومن أفضل النعم وأجلها نعمة الإيمان بالله تعالى ثم نعمة الرسول ثم نعمة القرآن (ثم الفراغ والصحة والأمن) وبكل من هذه الثلاثة الأخيرة فسر قوله تعالى: أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا (وغير ذلك) كنعمة الغنى والشباب (ولذلك قيل:


من شاء عيشا رحيبا يستطيب به في دينه ثم في دنياه إقبالا فلينظرن إلى من فوقه ورعا
ولينظرن إلى من دونه مالا

وقال صلى الله عليه وسلم: من لم يستغن بآيات الله فلا أغناه الله) هكذا في القوت، وقال العراقي: لم أجده بهذا اللفظ. (وهذا) إن صح فهو (إشارة إلى نعمة العلم، وقال صلى الله عليه وسلم: إن القرآن هو الغنى الذي لا غنى بعده، ولا فقر بعده) قال العراقي: رواه أبو يعلى والطبراني من حديث أنس بسند ضعيف بلفظ: إن القرآن غنى لا فقر بعده، ولا غنى دونه. قال الدارقطني: رواه أبو معاوية عن الأعمش عن يزيد الرقاشي عن الحسن مرسلا، وهو أشبه بالصواب، انتهى .

قلت: ورواه محمد بن نصر والبيهقي والخطيب بلفظ "القرآن"، بدون "إن"، وسنده ضعيف .

(وقال) صلى الله عليه وسلم: (من آتاه الله القرآن فظن أن أحدا أغنى منه فقد استهزأ بآيات الله) قال العراقي: رواه البخاري في التاريخ من حديث رجاء الغنوي بلفظ: "من آتاه الله حفظ كتابه، وظن أن أحدا أولى منه، فقد صغر أعظم النعم"، ورجاء مختلف في صحبته. وورد من حديث عبد الله بن عمرو وجابر والبراء نحوه وكلها ضعيفة، وقد تقدم في فضل القرآن، انتهى .

قلت: ورواه البيهقي كذلك ولفظه: من أعطاه الله، ورواه ابن حبان، وقال رجاء: تابعي ثقة يروي المراسيل، وأورده صاحب القوت وقال: وفي لفظ آخر: فقد استخف بما أنزل الله.

(وقال صلى الله عليه وسلم: كفى باليقين غنى) قال العراقي: رواه الطبراني من حديث عمار بن ياسر، ورواه ابن أبي الدنيا في القناعة موقوفا عليه، وقد تقدم، انتهى. وأورده صاحب القوت [ ص: 133 ] وقال: القرآن هو الحق اليقين. (وقال بعض السلف: يقول الله تعالى: إن عبدا أغنيته عن ثلاث لقد أتممت عليه نعمتي) أغنيته (عن سلطان يأتيه) أي: جعلته غنيا (و) أغنيته (عن طبيب يداويه) أي: جعلته صحيحا سليما (و) أغنيته (عما في يد أخيه) أي: جعلته قانعا بما في يده. نقله صاحب القوت (وعبر الشاعر عن هذا فقال:


إذا القوت تأتى لـ ـك والصحة والأمن
وأصبحت أخا حزن فلا فارقك الحزن)

كذا هو في القوت، وفي بعض نسخ الكتاب: إذا ما القوت يأتي لك، وفي أخرى: إذا القوت يأتيك كذا الصحة. (بل أرشق العبارات، وأفصح الكلمات، كلام أفصح من نطق بالضاد) يشير إلى ما اشتهر على الألسنة: أنا أفصح من نطق بالضاد، قال ابن كثير: معناه صحيح ولكن لا أصل له (حيث عبر صلى الله عليه وسلم عن هذا المعنى فقال: من أصبح آمنا في سربه، معافى في بدنه، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها) تقدم الكلام عليه غير مرة .




الخدمات العلمية