الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        الفصل الثاني

        ركن المقام

        قد تطلق كتب التراث الإسلامي على السياق مجموعة من الألفاظ؛ كالحال، والمقام، والظروف، والملابسات.. وذلك للتعبير عما يحيط بالخطاب من أمور حسية أو معنوية قد تؤثر في دلالته.

        ولعل أوسع هذه المصطلحات انتشارا وأكثرها انطلاقا على السياق (كليا أو جزئيا) هما مصـطلحا؛ "المقام" و"الحال"، ويعبر الإمام الشاطبي عن مكانة ركن المقام أو الحال في كشف دلالة الخطاب فيقول: "وجوه الاستعمال كثيرة، ولكن ضابطها مقتضيات الأحوال، التي هي ملاك البيان" [1] .

        ولعل من أقدم وأهم ما وقفت عليه من النقول، التي تضع "المقام" في مقابلة "المقال" بالمعنيين اللذين نستخدمهما بهما في هذا البحث، ما أورده القرطبي (ت671هـ) من خطبة لعثمان بن عفان رضي الله عنه: "إن أبا بكر وعمر كانا يعدان لهذا المقام مقالا" [2] ، والمقولة الشهيرة: "لكل مقام مقال"




        [3] ، التي رفعها البلاغيون شعارا لما يرمون إليه في مجمل بحوثهم. [ ص: 63 ]

        وكذا نص لبشر بن المعتمر (ت210هـ) يقول فيه: "إن المعنى ليس يشرف بأن يكون من معاني الخاصة، وكذلك ليس يتضع بأن يكون من معاني العامة، وإنما مـدار الشرف على الصـواب وإحراز المنفعة، مع موافقة الحال، وما يجب لكل مقام من المقال" [4] .

        ولعل من أجمع ما وقفت عليه من نصوصهم لما نريده "للمقام" في هذا البحث من معان ما أجمله الشاطبي (ت790هـ) بقوله: "إن علم المعاني والبيان، الذي يعرف به إعجاز نظم الكلام، فضلا عن معرفة مقاصد كلام العرب؛ إنما مداره على مقتضيات الأحوال: حال الخطاب من جهة نفس الخطاب، أو المخاطب، أو المخاطب، أو الجميع. إذ الكلام الواحد يختلف فهمه؛ بحسب حالين، وبحسب مخاطبين، وبحسب غير ذلك" [5] .

        فالمقام إذا، كما نفهمه من استعمالات الأقدمين، هو: "الواقع؛ الحسي والمعنوي المكتنف للخطاب في لحظتي الإلقاء والتنزيل"، ونحصره في عنصرين، هما: "المتخاطبان، والمناسبة"، وسنفرد لكل واحد منهما مبحثا مستقلا. [ ص: 64 ]

        التالي السابق


        الخدمات العلمية