الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        المبحث الرابع

        اللبس في قصد التفهيم عند المناظر

        ذكرنا قبل أن ضمـائم اللبـس المتعلقة بالمناظر اثنـتان؛ ذلك أن المناظرة لا تكون إلا عنـد "دعوى اللبس"، سـواء كانت من التناظر كما تقـدم، أو كانت من المناظر تعقيبا على "نفي اللبس" من قبل الناظر، فإن كانت الأولى؛ كان قصد المناظر "رفع اللبس"، وإن كانت الثانية؛ كان قصد المناظر إثبات "بقاء اللبس".

        فـأمـا "رفع اللبس" فـهـو: "إزالـة المـنـاظر للبس المـدعى من الناظر في قصد المتكلم"، أو هو: "معالجة للبس" من جهة المناظر "بعد وقوعه"، لا "محاذرة للبس" مـن جهـة المتـكلـم "عند التوقع"، الـذي هـو "دفع اللبس"، ولا هو "عدم دعوى اللبس" من قبل الناظر الذي هو "نفي اللبس".

        وأما بقاء اللبس فهـو: "عـدم التمـكن من رفـع اللبس بعد إنعام النظر وتقليب الفـكر"، فـلا هـو مـحـض "دعوى اللبس"، التي هي [ ص: 133 ] قـول بـ"حصول اللبس" سواء صح مقتضى هذا القول أم لا، ولا هو مجرد "حصول اللبس"، الذي هو قيام اللبـس بـمقـتضى الوضع ابتداء، سواء رفع فيمـا بعـد أم لا، فيكون "حصول اللبس" ما كان من جهة "الواضع"، و"دعوى اللبس" هو رأي "الناظر"، و"بقاء اللبس" هو حصيلة حكم "المناظر".

        ورغم أن ضمائم اللبـس المختصة بالناظر والمناظر هذه قـائمـة بـمعناها في جميع مناقشاتهم ومناظراتـهم، إلا أنـها ليست كسابقاتها من حيث شيوع ألفـاظها واضـطرادها فيـمـا وقفـت عليه من نصوصهم، حيث لـم أقـف لـهـم على لفظي "دعوى اللبس" و"بقاء اللبس"، وحـيـن وقـفـت عـلى اللفـظـين الآخرين، لم يكونا بالمعنى الذي أردت لـهمـا في هـذا المـقام، بل كانا كليـهما بالمعنى الذي حددنا من قبل لـ"دفع اللبس".

        اللـهـم إلا عنـد مـراعـاة زاويـة الـنـظر؛ أهـي من "موقع المتكلم" أم مـن "موقع الناظر" أم مـن "موقع المناظر"، فنقول مثلا: إن المتكلم "دفع اللبس" بقريـنـة مـا، وإن الـنـاظـر فطن إليها فـ "نفى بها اللبس"، أو خفيت عليـه فـ"ادعى اللبس" ففطن إليها المناظر فـ "رفع بها اللبس". [ ص: 134 ]

        ومن النقـول الـتي ورد فـيـها "رفع اللبس" و"نفي اللبس"، قـول ابن جـني (ت392هـ): "كأشـياء كثـيرة يقـع اللبس في لفظها فيعتمد في بيانها على ما يقارنها كالتحقـير والتـكثير وغير ذلك، فلما وجدت إلى "رفع اللبس" بحيث وجدته طريقا سلكتها، ولـما لم تجد إليه طريقا في موضع آخر احتملته ودللت بما يقارنه عليه‏" [1] .‏

        وقول الطبري (ت310هـ): "قول القائل: بـاعنـي فلان عينه كذا وكذا، واشترى فلان نفسه كذا، يراد بإدخال النفس والعين فـي ذلك "نفـي اللبس" عن سامعه أن يكون الـمتولـي بـيع ذلك وشراءه غير الـموصوف به" [2] ، وقوله: "فكذلك قوله: ( والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين ) (البـقـرة:233) (...) "نـفـى اللبـس" عن سـامعيه بـقـوله: ( كاملين ) ؛ أن يكون مرادا به حول وبعض آخر" [3] .

        وإذا أعدنا النظر إلى "ضمائم اللبس" عموما وجدنا اختلافا في مستوى تناول النصوص المنقولة لها، فنجد مثلا أن الضمائم المتعلقة بـ"الوضع" و"الاستعمال" قد استأثرت بالنصيب الأوفر من العناية، وأن ألفاظها قد وضعت لمعانيها خصيصا. [ ص: 135 ]

        ثم يختلف الأمر في "الحمل" فنجد أن ما وضع من ألفاظ الضمائم المتعلقة بالناظر والمناظر لم يستعمل في معانيه الدقيقة المقصودة بهذا التفصيل، وإنما كان استعماله في نفس معاني الضمائم المتعلقة بالمتكلم.

        ثم وجدنا أخيرا أن من ضمائم اللبس المتعلقة بـ"الحمل" (نظرا ومناظرة) ما لم تفرد له النصوص المنقولة ألفاظا تختص به، وإن كانت معانيه المشار إليها لا تخفى على مطالع لكتب التراث الإسلامي. [ ص: 136 ]

        التالي السابق


        الخدمات العلمية