الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        الفصل الرابع

        ركن القرينة

        وهي الركن الركين في السياق؛ فإنها منه بمنزلة الروح للكائن، والتيار الكهربائي للآلة، والخشوع للصلاة.

        فهي ركن يمتد في كل الأركان، ولا يبرز إلا من خلالها.. ولا تقوم الحقيقة "المعنوية المطلوبة" إلا بوجوده، ولو أن الحقيقة "الحسية" للسياق لا تتوقف عليه!

        فالسياق لا يفيد أي معنى، ولا يرجح معنى، أو يستبعد معنى.. إلا من خلال قرينة معينة، يتضمنها ركن من أركانه الأخرى!.. ولا يمكن أن توجد قرينة مستقلة عن تلك الأركان.

        فقد توجد القرينة في كل نواحي السياق، ولكنها ليست هي السياق ذاته، ذلك أن السياق موجود بكل مكوناته حيث وجد الخطاب، كما يستفاد من قول ابن تيمية (ت728هـ): كل لفظ "مقيد مقرون بغيره، ومتكلم قد عرفت عادته، ومستمع قد عرف عادة المتكلم بذلك اللفظ، فهذه القيود لا بد [ ص: 85 ] منها في كلام يفهم معناه، فلا يكون اللفظ مطلقا عنها" [1] ، فالسياق لازم من لوازم الخطاب، لكن دلالته غير لازمة لوجوده، بل هي متوقفة على وجود القرينة فيه، ووجود القرينة ذاته غير لازم لوجود السياق، فقد يوجد السياق غير متضمن قرينة.

        وهذا ما يستفاد من قول الإمام الشوكاني (ت1255هـ): "والحق أن دلالة السياق إن قامت مقام القرائن القوية المقتضية لتعيين المراد، كان المخصص هو ما اشتملت عليه من ذلك، وإن لم يكن السياق بهذه المنزلة، ولا أفاد هذا المفاد؛ فليس بمخصص" [2] .

        فإنه قد نص على أن دلالة السياق لا تكون إلا بما يتضمنه من القرائن.

        ولهذه الأهمية أعطى الأقدمون للقرينة من العناية ما لم يعطوا للسياق نفسـه، وأطلقـوا عليها عـدة تسميات كالعلامة، والدليل، والأمارة، والضميمة، والشريطة [3] . [ ص: 86 ]

        ويـقـصـدون بـكل ذلك البـيـنـة المثبـتـة لأمـر مـعـين، أو المـرجـحـة له، أو المرشحـة [4] عـلى الأقـل.. على حـد قـول الباجي (ت474هـ) في بعـض منـاقـشـاتـه: "والقـرينة إنما هي ما يبين معنى اللفظ المفسر ويماثله" [5] .

        وسنحاول في معالجتنا هذه استجلاء الصورة، التي رسمها اللغويون والأصوليون للقرينة من خلال ما أوقفنا عليه البحث من مناقشاتهم ولفتاتهم التنظيرية المتنوعة، ثم نحاول بعد ذلك الانتهاء إلى رسم مستوعب لأنواع القرائن السياقية كما تحصلت في الذهن من تحليل النقول المتوفرة. [ ص: 87 ]

        التالي السابق


        الخدمات العلمية