الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        الفصل الثالث

        ركن النسق

        تعبر كتب التراث الإسلامي عن السياق (كليا أو جزئيا)، بمجموعة من الألفاظ تتعلق به من جهة الإطار العام للخطاب كالإطار، والنسق، والسوابق أو السباق، واللواحق أو اللحاق، والتذييل، والتعقيب..

        ولعل أهم هذه المصطلحات وأكثرها تداولا وأعمقها دلالة على المطلوب هو النسق والسباق واللحاق، أو السوابق واللواحق.

        ولذلك اعتمدنا مصطلح "النسق" اسما عاما لهذا المفهوم وقسمناه إلى "سباق" و"لحاق" أو "سوابق" و"لواحق"؛ معتمدين هذا التعريف الفريد، الذي وقفنا عليه لنور الدين الهروي (ت1014هـ) والذي يجمع أهم ما نرمي إليه، حيث يقول: "إن المراد بـ"نسق الكلام"؛ تتابعه من "السباق" و"اللحاق"، وتناسبه من معنى الوفاق" [1] ، وقد صرح في مواضع عدة بأن السباق واللحاق عنصران في السياق، فقال: "يدل عليه السياق من السباق [ ص: 73 ] واللحاق" [2] ، ومثل ذلك قول برهان الدين البقاعي (ت885هـ): "السياق بسباقه ولحاقه" [3] .

        وقد وجدنا بقية البغية عند الشيخ الآلوسي (ت1270هـ) حيث ينسب السباق واللحاق إلى نفس المقال أحيانا، فيقول: "يقتضيه سباق النظم وسياقه" [4] ، وينسبهما إلى المقام أحيانا فيقول: "والمناسب للمقام سباقا ولحاقا" [5] ، فأثبتنا منه أن السوابق واللواحق عندهم تكون مقامية، كما تكون مقالية.

        ومن أقدم ما وقفنا عليه من استخدام لفظي "السباق" و"اللحاق" بهذا المعنى قول ابن جرير الطبري (ت310هـ): "أن يكون هناك إجماع من أهل التأويل على تفسير الآية تفسيرا يخرجها عن سباقها ولحاقها" [6] ، ولعل الآلوسي (ت1270هـ) من أكثر الذين طالعت بعض تراثهم استخداما لهذه [ ص: 74 ] المصطلحات كقوله: "وأيد القول الأول بأنه الأوفق بالسباق واللحاق" [7] ، وقوله: "معلوم بقرينة السباق واللحاق" [8] ، وقوله: "يأباه السباق واللحاق" [9] ، وقد نص على مصطلحي "السوابق" و"اللواحق"، فقال: "والذي يظهر لي في ذلك أن آية النحل سيقت لتعداد النعم كما يؤذن بذاك سوابقها ولواحقها" [10] ، كما نص عليهما برهان الدين البقاعي (ت885هـ) حيث يقول: "وأن ذلك هو المراد لا ما طال الخبط فيه لإهمال في السوابق واللواحق الموجبة لسوق المقال مطابقا لمقتضى الحال" [11] .

        ومن مجمل هذه النقول وأمثالها نعرف "النسق" في هذا البحث بأنه: "السوابق واللواحق؛ المقالية والمقامية، للخطاب"، فهو إذا "نسقان؛ نسق مقالات، ونسق مقامات"، وسنفرد لكل واحد منهما مبحثا خاصا. [ ص: 75 ]

        التالي السابق


        الخدمات العلمية