الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          ( قتل ) ( هـ ) فيه : " قاتل الله اليهود " . أي : قتلهم الله . وقيل : لعنهم ، وقيل : عاداهم .

                                                          وقد تكررت في الحديث ، ولا تخرج عن أحد هذه المعاني . وقد ترد بمعنى التعجب من الشيء كقولهم : تربت يداه ! وقد ترد ولا يراد بها وقوع الأمر .

                                                          [ ص: 13 ] * ومنه حديث عمر : " قاتل الله سمرة " .

                                                          وسبيل : " فاعل " هذا أن يكون من اثنين في الغالب ، وقد يرد من الواحد ، كسافرت : وطارقت النعل .

                                                          ( هـ ) وفي حديث المار بين يدي المصلي : قاتله فإنه شيطان أي : دافعه عن قبلتك ، وليس كل قتال بمعنى القتل .

                                                          ( س ) ومنه حديث السقيفة : " قتل الله سعدا فإنه صاحب فتنة وشر " أي : دفع الله شره ، كأنه إشارة إلى ما كان منه في حديث الإفك ، والله أعلم .

                                                          وفي رواية : " إن عمر قال يوم السقيفة : اقتلوا سعدا قتله الله " أي : اجعلوه كمن قتل واحسبوه في عداد من مات وهلك ، ولا تعتدوا بمشهده ولا تعرجوا على قوله .

                                                          * ومنه حديث عمر أيضا : " من دعا إلى إمارة نفسه أو غيره من المسلمين فاقتلوه " أي : اجعلوه كمن قتل ومات ، بأن لا تقبلوا له قولا ولا تقيموا له دعوة .

                                                          وكذلك الحديث الآخر : إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما أي : أبطلوا دعوته واجعلوه كمن مات .

                                                          وفيه : أشد الناس عذابا يوم القيامة من قتل نبيا أو قتله نبي أراد من قتله وهو كافر ، كقتله أبي بن خلف يوم بدر ، لا كمن قتله تطهيرا له في الحد ، كماعز .

                                                          ( س ) وفيه : لا يقتل قرشي بعد اليوم صبرا إن كانت اللام مرفوعة على الخبر فهو محمول على ما أباح من قتل القرشيين الأربعة يوم الفتح ، وهم ابن خطل ومن معه أي : أنهم لا يعودون كفارا يغزون ويقتلون على الكفر ، كما قتل هؤلاء ، وهو كقوله الآخر : لا تغزى مكة بعد اليوم أي : لا تعود دار كفر تغزى عليه ، وإن كانت اللام مجزومة فيكون نهيا عن قتلهم في غير حد ولا قصاص .

                                                          * وفيه : " أعف الناس قتلة أهل الإيمان " القتلة - بالكسر - : الحالة من القتل ، وبفتحها المرة منه . وقد تكرر في الحديث . ويفهم المراد بهما من سياق اللفظ .

                                                          * وفي حديث سمرة : من قتل عبده قتلناه ، ومن جدع عبده جدعناه ذكر في رواية [ ص: 14 ] الحسن أنه نسي هذا الحديث ، فكان يقول : لا يقتل حر بعبد ويحتمل أن يكون الحسن لم ينس الحديث ، ولكنه كان يتأوله على غير معنى الإيجاب ، ويراه نوعا من الزجر ليرتدعوا ولا يقدموا عليه ، كما قال في شارب الخمر : إن عاد في الرابعة أو الخامسة فاقتلوه ، ثم جيء به فيها فلم يقتله .

                                                          وتأوله بعضهم أنه جاء في عبد كان يملكه مرة ، ثم زال ملكه عنه فصار كفؤا له بالحرية .

                                                          ولم يقل بهذا الحديث أحد إلا في رواية شاذة عن سفيان ، والمروي عنه خلافه .

                                                          وقد ذهب جماعة إلى القصاص بين الحر وعبد الغير . وأجمعوا على أن القصاص بينهم في الأطراف ساقط ، فلما سقط الجدع بالإجماع سقط القصاص ؛ لأنهما ثبتا معا ، فلما نسخا نسخا معا ، فيكون حديث سمرة منسوخا . وكذلك حديث الخمر في الرابعة والخامسة .

                                                          وقد يرد الأمر بالوعيد ردعا وزجرا وتحذيرا ، ولا يراد به وقوع الفعل .

                                                          * وكذلك حديث جابر في السارق : أنه قطع في الأولى والثانية والثالثة ، إلى أن جيء به في الخامسة فقال : اقتلوه ، قال جابر : فقتلناه وفي إسناده مقال . ولم يذهب أحد من العلماء إلى قتل السارق وإن تكررت منه السرقة .

                                                          ( س ) وفيه : على المقتتلين أن يتحجزوا ، الأولى فالأولى ، وإن كانت امرأة قال الخطابي : معناه أن يكفوا عن القتل ، مثل أن يقتل رجل له ورثة ، فأيهم عفا سقط القود . والأولى : هو الأقرب والأدنى من ورثة القتيل .

                                                          ومعنى : " المقتتلين " : أن يطلب أولياء القتيل القود فيمتنع القتلة ، فينشأ بينهم القتال من أجله ، فهو جمع مقتتل ، اسم فاعل من اقتتل .

                                                          ويحتمل أن تكون الرواية بنصب التاءين على المفعول . يقال : اقتتل فهو مقتتل ، غير أن هذا إنما يكثر استعماله فيمن قتله الحب .

                                                          وهذا حديث مشكل ، اختلفت فيه أقوال العلماء ، فقيل : إنه في المقتتلين من أهل القبلة ، على التأويل ، فإن البصائر ربما أدركت بعضهم ، فاحتاج إلى الانصراف من مقامه المذموم إلى المحمود ، [ ص: 15 ] فإذا لم يجد طريقا يمر فيه إليه بقي في مكانه الأول ، فعسى أن يقتل فيه ، فأمروا بما في هذا الحديث .

                                                          وقيل : إنه يدخل فيه أيضا المقتتلون من المسلمين في قتالهم أهل الحرب ، إذ قد يجوز أن يطرأ عليهم من معه العذر الذي أبيح لهم الانصراف عن قتاله إلى فئة المسلمين التي يتقوون بها على عدوهم ، أو يصيروا إلى قوم من المسلمين يقوون بهم على قتال عدوهم فيقاتلونهم معهم .

                                                          * وفي حديث زيد بن ثابت : " أرسل إلي أبو بكر مقتل أهل اليمامة " المقتل : مفعل ، من القتل ، وهو ظرف زمان هاهنا ؛ أي : عند قتلهم في الوقعة التي كانت باليمامة مع أهل الردة في زمن أبي بكر .

                                                          ( س ) وفي حديث خالد : " أن مالك بن نويرة قال لامرأته يوم قتله خالد : أقتلتني " أي : عرضتني للقتل بوجوب الدفاع عنك والمحاماة عليك ، وكانت جميلة وتزوجها خالد بعد قتله ، ومثله : أبعت الثوب إذا عرضته للبيع .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية