الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          ( لبن ) ( س ) فيه " إن لبن الفحل يحرم " يريد بالفحل الرجل تكون له امرأة ولدت منه ولدا ولها لبن ; فكل من أرضعته من الأطفال بهذا اللبن فهو محرم على الزوج وإخوته وأولاده منها ، ومن غيرها ، لأن اللبن للزوج حيث هو سببه . وهذا مذهب الجماعة . وقال ابن المسيب والنخعي : لا يحرم .

                                                          * ومنه حديث ابن عباس " وسئل عن رجل له امرأتان أرضعت إحداهما غلاما والأخرى جارية : أيحل للغلام أن يتزوج بالجارية ؟ قال : لا ، اللقاح واحد " .

                                                          * وحديث عائشة " واستأذن عليها أبو القعيس فأبت أن تأذن له ، فقال : أنا عمك ، أرضعتك امرأة أخي ، فأبت عليه حتى ذكرته لرسول الله - صلى الله عليه وسلم ، فقال : هو عمك فليلج عليك " .

                                                          ( س ) وفيه " أن رجلا قتل آخر ، فقال : خذ من أخيك اللبن " أي : إبلا لها لبن ، يعني الدية .

                                                          [ ص: 228 ] * ومنه حديث أمية بن خلف " لما رآهم يوم بدر يقتلون قال : أما لكم حاجة في اللبن ؟ " أي : تأسرون فتأخذون فداءهم إبلا ، لها لبن .

                                                          ( س ) ومنه الحديث " سيهلك من أمتي أهل الكتاب وأهل اللبن ، فسئل : من أهل اللبن ؟ فقال : قوم يتبعون الشهوات ، ويضيعون الصلوات " قال الحربي : أظنه أراد : يتباعدون عن الأمصار وعن صلاة الجماعة ، ويطلبون مواضع اللبن في المراعي والبوادي . وأراد بأهل الكتاب قوما يتعلمون الكتاب ليجادلوا به الناس .

                                                          * وفي حديث عبد الملك " ولد له ولد فقيل له : اسقه لبن اللبن " هو أن يسقي ظئره اللبن ، فيكون ما يشربه الولد لبنا متولدا عن اللبن .

                                                          ( هـ ) وفي حديث خديجة " أنها بكت ، فقال لها : ما يبكيك ؟ فقالت : درت لبنة القاسم فذكرته " وفي رواية " لبينة القاسم ، فقال : أوما ترضين أن تكفله سارة في الجنة " اللبنة : الطائفة القليلة من اللبن ، واللبينة : تصغيرها .

                                                          ( س ) وفي حديث الزكاة ذكر " بنت اللبون ، وابن اللبون " وهما من الإبل ما أتى عليه سنتان ودخل في الثالثة ، فصارت أمه لبونا ، أي : ذات لبن ; لأنها تكون قد حملت حملا آخر ووضعته .

                                                          وقد جاء في كثير من الروايات " ابن لبون ذكر " وقد علم أن ابن اللبون لا يكون إلا ذكرا ، وإنما ذكره تأكيدا ، كقوله " ورجب مضر ، الذي بين جمادى وشعبان " وقوله تعالى : تلك عشرة كاملة .

                                                          وقيل : ذكر ذلك تنبيها لرب المال وعامل الزكاة ; فقال " ابن لبون ذكر " لتطيب نفس رب المال بالزيادة المأخوذة منه إذا علم أنه قد شرع له من الحق ، وأسقط عنه ما كان بإزائه من فضل الأنوثة في الفريضة الواجبة عليه ، وليعلم العامل أن سن الزكاة في هذا [ ص: 229 ] النوع مقبول من رب المال ، وهو أمر نادر خارج عن العرف في باب الصدقات . فلا ينكر تكرار اللفظ للبيان ، وتقرير معرفته في النفوس مع الغرابة والندور .

                                                          ( هـ ) وفي حديث جرير " إذا سقط كان درينا ، وإن أكل كان لبينا " أي : مدرا للبن مكثرا له ، يعني أن النعم إذا رعت الأراك والسلم غزرت ألبانها . وهو فعيل بمعنى فاعل ، كقدير وقادر ، كأنه يعطيها اللبن . يقال : لبنت القوم ألبنهم فأنا لابن ، إذا سقيتهم اللبن .

                                                          ( هـ ) وفيه التلبينة مجمة لفؤاد المريض التلبينة والتلبين : حساء يعمل من دقيق أو نخالة ، وربما جعل فيها عسل ، سميت به تشبيها باللبن . لبياضها ورقتها ، وهي تسمية بالمرة من التلبين ، مصدر لبن القوم ، إذا سقاهم اللبن .

                                                          ( هـ ) ومنه حديث عائشة " عليكم بالمشنيئة النافعة التلبين " وفي أخرى " بالبغيض النافع التلبينة " .

                                                          * وفي حديث علي " قال سويد بن غفلة : دخلت عليه فإذا بين يديه صحيفة فيها خطيفة وملبنة " هي بالكسر : الملعقة ، هكذا شرح .

                                                          وقال الزمخشري : " الملبنة : لبن يوضع على النار ويترك عليه دقيق " والأول أشبه بالحديث .

                                                          وفيه وأنا موضع تلك اللبنة هي بفتح اللام وكسر الباء : واحدة اللبن ، وهي التي [ ص: 230 ] يبنى بها الجدار . ويقال بكسر اللام وسكون الباء .

                                                          ومنه الحديث " ولبنتها ديباج " وهي رقعة تعمل موضع جيب القميص والجبة .

                                                          ( هـ ) وفي حديث الاستسقاء :

                                                          أتيناك والعذراء يدمى لبانها

                                                          أي : يدمى صدرها لامتهانها نفسها في الخدمة ، حيث لا تجد ما تعطيه من يخدمها ، من الجدب وشدة الزمان . وأصل اللبان في الفرس : موضع اللبب ، ثم استعير للناس .

                                                          ومنه قصيد كعب :

                                                          ترمي اللبان بكفيها ومدرعها

                                                          وفي بيت آخر منها :

                                                          يزلقه منها لبان

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية