الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وإذا قال القائل : هذا يقتضي قيام الصفات أو الحوادث به. قيل : هذا المعنى عديم التأثير ، لا هو موجب للامتناع ولا للجواز .

والمثبتون يقولون : كونه قادرا على الفعل والكلام بنفسه صفة كمال، وكونه لا يقدر على ذلك صفة نقص ، فإن القدرة على الفعل والكلام ، مما يعلم بصريح العقل أنه صفة كمال ، وأن من يقدر أن يخلق ويتكلم ، أكمل ممن لا يقدر أن يخلق ويتكلم ، فإنه يكون بمنزلة الزمن ، ويقولون : بالطريق التي تثبت له صفات الكمال يثبت هذا ، فإن الفاعل بنفسه الذي يقدر بنفسه على الفعل من حيث هو كذلك ، أكمل ممن لا يمكنه ذلك ، كما قد بسط كلامهم في غير هذا الموضع .

وأيضا فإن أراد المريد بقوله : تقوم به الحوادث كلها ، أنه قادر على أن يمسك العالم كله في قبضته ، كما جاءت به الأخبار الإلهية فهم يجوزون ذلك ، بل هذا عندهم من أعظم أنواع الكمال ، كما قال تعالى : وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه [سورة الزمر 67] . [ ص: 58 ]

وقد ثبت في الصحاح عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة وابن عمر وابن مسعود وابن عباس ما يوافق مضمون هذه الآية وأن الله تعالى يقبض العالم العلوي والسفلي ويمسكه ويهزه ويقول أنا الملك أين ملوك الأرض؟

وفي بعض الآثار : ويدحوها كما يدحو أحدكم الكرة. وقال ابن عباس ما السماوات السبع والأرضون السبع وما فيهن، وما بينهن، في يد الرحمن إلا كخردلة في يد أحدكم .

فإن أراد مريد بقوله: إن الحوادث كلها تقوم بذات المعنى الذي دلت عليه النصوص ، فهو حق ، وهو من أعظم الأدلة على عظمة الله ، وعظم قدره وقدرته ، وعلى فعله القائم بنفسه وفي مخلوقاته .

وإن أراد بذلك أنه يتصف بكل حادث ، فهذا يستلزم أن يتصف بالنقائص الوجودية، مثل أن يتصف بالجهل المركب الحادث ونحو [ ص: 59 ] ذلك . وهذا ممتنع لكونه نقصا لا لكونه حادثا ، فالموت والسنة والنوم والعجز واللغوب والجهل ، وغير ذلك من النقائص، هو منزه عنها، ومقدس أزلا وأبدا، فلا يجوز أن تقوم به ، لا قديمة ولا حادثة ، لكونها نقائص تناقض ما وجب له من الكمال اللازم لذاته .

وإذا كان أحد النقيضين لازما للذات ، لزم انتفاء النقيض الآخر ، فكل ما تنزه الرب عنه من الحوادث والصفات، فهو منزه عنه، لما أوجب ذلك، لا للقدر المشترك بينه وبين ما قام به من الكمالات .

وأما السؤال الثالث، وهو قوله : "إنه لا حاجة إلى ذلك" فيقال: ليس كل ما لا تعلم الحاجة إليه يجزم بنفيه ، فإن الله أخبر أنه كتب مقادير الخلائق قبل خلقهم، ولا يعلم إلى ذلك حاجة ، وكذلك قد خلق آدم بيده عند أهل الإثبات ، مع قدرته على أن يخلقه كما خلق غيره .

التالي السابق


الخدمات العلمية