الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الوجه الرابع: أن يقال : قول القائل: "إما أن تكون في نفسها صفة كمال أو لا صفة كمال" .

قلنا: ليست في نفسها صفة كمال. [قوله]: "فيلزم اتصاف الرب بما ليس من صفات الكمال، وذلك ممتنع" .

قلنا: متى يكون الممتنع إذا كان ذلك مع غيره صفة كمال أو إذا لم يكن مع غيره صفة كمال ، وذلك أن الشيء وحده قد لا يكون صفة كمال، لكن هو مع غيره صفة كمال، وما كان كهذا لم يجز اتصاف الرب به وحده، لكن يجوز اتصافه به مع غيره، ولا يلزم من كونه ليس صفة كمال منع قيامه بالرب مطلقا . [ ص: 92 ]

وهذا كالإرادة للفعل الخالية عن القدرة على المراد ، ليست صفة كمال ، فإن من أراد شيئا وهو عاجز عنه كان ناقصا، ولكن إذا كان قادرا على ما أراد كانت الإرادة مع القدرة صفة كمال .

فلو قال قائل : مجرد الإرادة هل هو كمال أم لا؟

فإن قيل : هو كمال، انتقض بإرادة العاجز المتمني المتحسر .

وإن قيل : ليس بكمال لزم اتصافه بما ليس بكمال .

قيل له : الإرادة مع القدرة كمال .

وكذلك قوله: "كن" إما أن يكون صفة كمال أو لا ، فإن كان صفة كمال فينبغي أن يكون كمالا للعبد ، ومعلوم أن العبد لو قال للمعدوم "كن" كان هاذيا لا كاملا ، وإن لم يكن كمالا فلا يوصف به الرب .

فيقال له: "كن" من القادر على التكوين الذي إذا قال للشيء كن فيكون كمال ، ومن غيره نقص . وكذلك الغضب إما أن يكون صفة كمال أو لا ، فإن كان كمالا فيحمد كل غضبان ، وإن كان نقصا فكيف اتصف الرب به؟

فيقال: الغضب على من يستحق الغضب عليه، من القادر على عقوبته، صفة كمال. وأما غضب العاجز ، أو غضب الظالم، فلا يقال: إنه كمال . ونظائر هذا كثيرة .

وإذا كان كذلك، فكونه قادرا على الأفعال المتعاقبة وفعله لها شيئا بعد شيء صفة كمال ، وكل منها بشرط غيره كمال ، وأما الواحد منها [ ص: 93 ] -مع عدم غيره- فليس بكمال. فإنه من المعلوم أنا إذا عرضنا على العقل الصريح ذاتا لا تقدر أن تتصرف بنفسها، وذاتا تتصرف دائما شيئا بعد شيء، كانت هذه الذات أكمل من تلك، وكان الكمال قدم هذا النوع .

وكذلك إذا قدرنا شيئا يتكلم إذا شاء بما شاء ، وهو لم يزل كذلك، وآخر لا يمكنه الكلام إلا بعض الأحيان ، أو حدث له الكلام بعد أن لم يكن، كان الأول أكمل .

ونكتة الجواب : أن الواحد منها إذا لم يكن وحده كمالا، لا يلزم أن [لا] يكون مع سائر النوع كمالا .

لكن هذا الجواب إنما يناسب قول من يقول : لم يزل متصفا بهذا النوع .

والكرامية لا تقول بذلك ، بل تقول: حدث له النوع بعد أن لم يكن. لكن الكرامية تقول: قولنا في هذا النوع، كقول غيرنا في الحوادث المنفصلة . وهو أن دوام هذا لما كان ممتنعا لامتناع الحوادث في الأزل، لم يلزم أن لا يكون متصفا بصفات الكمال ، لأن عدم الممتنع ليس بنقص .

التالي السابق


الخدمات العلمية