الفصل الثالث
الحمل بين مقتضيات المقال والمقام والنسق
قال ابن الفراء (ت458هـ): "ليس كل سامع للكلام يجب أن يضطر إلى قصـد المتـكلم" [1] ، مقررا بذلك إمكانية خطأ الناظر عند حمله لخطاب ما على معنى معين.
ويؤكد ابن القيم (ت751هـ) ذلك، ويعلله بأسباب ذاتية في السامع، فيقول: "دلالة النصوص نوعان: حقيقية، وإضافية. فالحقيقية تابعة لقصد المتكلم وإرادته، وهذه الدلالة لا تختلف، والإضافية تابعة لفهم السامع وإدراكه، وجودة فكره وقريحته، وصفاء ذهنه، ومعرفته بالألفاظ ومراتبها، وهذه الدلالة تختلف اختلافا متباينا بحسب تباين السامعين في ذلك" [2] .
ثم إنه لا يقصر الأسباب على طبيعة السامع، بل يذكر منها قسما آخر راجعا إلى طبيعة الخطاب أيضا، فيقول: "ومراده يظهر من عموم لفظه تارة، [ ص: 151 ] ومن عموم المعنى الذي قصده تارة، وقد يكون فهمه من المعنى أقوى، وقد يكون من اللفظ أقوى، وقد يتقاربان" [3] ، وقد ذكر قبله العز بن عبد السلام (ت660هـ) هذا القسم، فقال: "قد يتردد المعنى بين محامل كثيرة يتساوى بعضها مع بعض، ويترجح بعضها على بعض" [4] .
وسنـحـاول أن نـتـعرف على معـالـجـة الأصوليين لهذا الإشكال من زاويتين تكتمل بهما الصورة بإذن الله تعالى،
الأولى: ما سنوا من القوانين والضوابط المنهجية المعينة على "كيفية اقتباس الأحكام من الصيغ والألفاظ المنطوق بها" [5] كما يقول الغزالي، وذلك ضمانا للوقوف على مراد المتكلم عـنـد الحمـل،
والثانية: ما نبـهـوا عليه من مـثـارات منهجية للغلط عند حمل الخطاب على معنى معين. [ ص: 152 ]