وينقسم أيضا ، باعتبار اليسر والعسر ، إلى ما يشق على النفس فلا يمكن الدوام عليه إلا بجهد جهيد ، وتعب شديد ، ويسمى ذلك تصبرا وإلى ما يكون من غير شدة تعب بل يحصل بأدنى تحامل على النفس ، ويخص ذلك باسم الصبر وإذا دامت التقوى ، وقوي التصديق بما في العاقبة من الحسنى ، تيسر الصبر ولذلك قال تعالى : الصبر فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى ومثال هذه القسمة قدرة المصارع على غيره ، فإن الرجل القوي يقدر على أن يصرع الضعيف بأدنى حملة ، وأيسر قوة بحيث لا يلقاه في مصارعته إعياء ولا لغوب ولا تضطرب فيه نفسه ولا ينبهر ولا يقوى على أن يصرع الشديد إلا بتعب ومزيد جهد وعرق جبين فهكذا تكون المصارعة بين باعث الدين وباعث الهوى فإنه على التحقيق صراع بين جنود الملائكة وجنود الشياطين ، ومهما أذعنت الشهوات وانقمعت وتسلط باعث الدين واستولى وتيسر الصبر بطول المواظبة أورث ذلك كما سيأتي في كتاب الرضا، فالرضا أعلى من الصبر ، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم : مقام الرضا اعبد الله على الرضا فإن لم تستطع ففي الصبر على ما تكره خير كثير .