القسمة الأولى أن ، وإلى ما هو ضار فيهما جميعا كالجهل وسوء الخلق ، وإلى ما ينفع في الحال المضر في المآل كالتلذذ باتباع الشهوة وإلى ما يضر في الحال ويؤلم ولكن ينفع في المآل كقمع الشهوات ومخالفة النفس فالنافع في الحال والمآل هو النعمة تحقيقا كالعلم وحسن الخلق ، والضار فيهما هو البلاء تحقيقا وهو ضدهما والنافع في الحال في المآل بلاء محض عند ذوي البصائر وتظنه الجهال نعمة ومثاله الجائع إذا وجد عسلا فيه سم فإنه يعده نعمة إن كان جاهلا وإذا علمه علم أن ذلك بلاء سيق إليه والضار في الحال النافع في المآل نعمة عند ذوي الألباب بلاء عند الجهال ، ومثاله الدواء البشع : في الحال مذاقه : إلا أنه شاف من الأمراض والأسقام وجالب للصحة والسلامة ، فالصبي الجاهل إذا كلف شربه ظنه بلاء والعاقل يعده نعمة ويتقلد المنة ممن يهديه إليه ويقربه منه ويهيئ له أسبابه فلذلك تمنع الأم ولدها من الحجامة والأب يدعوه إليها فإن الأب لكمال عقله يلمح العاقبة : والأم لفرط حبها وقصورها تلحظ الحال والصبي لجهله يتقلد منة من أمه دون أبيه . الأمور كلها بالإضافة إلينا تنقسم إلى ما هو نافع في الدنيا والآخرة جميعا كالعلم وحسن الخلق
ويأنس إليها وإلى شفقتها ويقدر الأب عدوا له ولو عقل لعلم أن الأم عدوا باطنا في سورة صديق لأن منعها إياه : من الحجامة يسوقه إلى أمراض وآلام أشد من الحجامة ولكن الصديق الجاهل شر من العدو العاقل وكل إنسان فإنه صديق نفسه ، ولكنه صديق جاهل ، فلذلك تعمل به ما لا يعمل به العدو .