أما الزاهدون المحبون لله تعالى فقاتلوا في سبيل الله كأنهم بنيان مرصوص وانتظروا إحدى الحسنيين وكانوا إذا دعوا إلى القتال يستنشقون رائحة الجنة ويبادرون إليه مبادرة الظمآن إلى الماء البارد حرصا على نصرة دين الله .
أو نيل رتبة الشهادة . وكان من مات منهم على فراشه يتحسر على فوت الشهادة حتى إن خالد بن الوليد : رضي الله تعالى عنه : لما احتضر للموت على فراشه كان يقول : كم غررت بروحي وهجمت على الصفوف طمعا في الشهادة وأنا الآن أموت موت العجائز ، فلما مات عد على جسده ثمانمائة ثقب من آثار الجراحات هكذا كان حال الصادقين في الإيمان رضي الله تعالى عنهم أجمعين .
وأما المنافقون ففروا من الزحف خوفا من الموت فقيل لهم : إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم فإيثارهم البقاء على الشهادة استبدال الذي هو أدنى بالذي هو خير أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين .
وأما المخلصون فإن الله تعالى اشترى منهم أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة فلما رأوا أنهم تركوا تمتع عشرين سنة مثلا أو ثلاثين سنة بتمتع الأبد استبشروا ببيعهم الذي بايعوا به فهذا . بيان المزهود فيه
وإذا فهمت هذا علمت أن ما ذكره المتكلمون في حد الزهد لم يشيروا به إلا إلى بعض أقسامه ، فذكر كل واحد منهم ما رآه غالبا على نفسه أو على من كان يخاطبه فقال بشر رحمه الله تعالى الزهد في الدنيا هو الزهد في الناس وهذا إشارة إلى الزهد في الجاه خاصة .