فإذا ، فهو خارج عن مقام التوكل غير واثق بإحاطة التدبير من الوكيل الحق بخفايا الأسباب ، فإن أسباب الدخل في الارتفاعات والزكوات تتكرر بتكرر السنين غالبا ، ومن ادخر لأقل من سنة فله درجة بحسب قصر أمله ، ومن كان أمله شهرين لم تكن درجته كدرجة من أمل شهرا ، ولا درجة من أمل ثلاثة أشهر ، بل هو بينهما في الرتبة ، ولا يمنع من الادخار إلا قصر الأمل ، فالأفضل أن لا يدخر أصلا وإن ضعف قلبه فكلما قل ادخاره كان فضله أكثر وقد روي في الفقير الذي أمر صلى الله عليه وسلم : عليا كرم الله وجهه ما وراء السنة لا يدخر له إلا بحكم ضعف القلب والركون إلى ظاهر الأسباب وأسامة أن يغسلاه فغسلاه وكفناه ببردته ، فلما دفنه قال لأصحابه : إنه يبعث يوم القيامة ووجهه كالقمر ليلة البدر ، ولولا خصلة كانت فيه لبعث ووجهه كالشمس الضاحية ، قلنا : وما هي يا رسول الله ؟ قال : كان صواما قواما كثير الذكر لله تعالى غير أنه كان إذا جاء الشتاء ادخر حلة الصيف لصيفه ، وإذا جاء الصيف ادخر حلة الشتاء لشتائه ، ثم قال : صلى الله عليه وسلم بل أقل ما أوتيتم اليقين وعزيمة الصبر . الحديث وليس الكوز والشفرة وما يحتاج إليه على الدوام معنى ذلك فإن ادخاره ، لا ينقص الدرجة وأما ثوب ، الشتاء فلا يحتاج إليه في الصيف ، وهذا في حق من لا ينزعج قلبه بترك الادخار ، ولا تستشرف نفسه إلى أيدي الخلق ، بل لا يلتفت قلبه إلا إلى الوكيل الحق فإن ، كان يستشعر في نفسه اضطرابا يشغل قلبه عن العبادة والذكر والفكر فالادخار له أولى بل لو أمسك ضيعة يكون دخلها وافيا بقدر كفايته ، وكان لا يتفرغ قلبه إلا به فذلك له أولى ؛ لأن المقصود إصلاح القلب ليتجرد لذكر الله ورب شخص يشغله وجود المال ورب شخص يشغله عدمه والمحذور ما يشغل عن الله : عز وجل : وإلا فالدنيا في عينها غير محذورة لا وجودها ولا عدمها ولذلك بعث رسول الله : صلى الله عليه وسلم : إلى أصناف الخلق ، وفيهم التجار والمحترفون وأهل الحرف والصناعات فلم يأمر التاجر بترك تجارته ، ولا المحترف بترك حرفته ، ولا أمر التارك لهما بالاشتغال بهما ، بل دعا الكل إلى الله تعالى ، وأرشدهم إلى أن فوزهم ونجاتهم في انصراف قلوبهم عن الدنيا إلى الله تعالى .